تعد عملية “طوفان الأقصى” – بلا شك – أكبر فشل استخباراتي للمخابرات الإسرائيلية والأمريكية، كذلك أكبر فشل سياسي للجهود الساسية الدولية، فعلى مدى عقود، سعى كيان الإحتلال المؤقت، بمساعدة وتحريض من الإدارات الأمريكية المتعاقبة، إلى محو فلسطين التاريخية من الخريطة الجيوسياسية للعالم. لكن المقاومة الفلسطينية الشجاعة أثبتت -خلال الأيام الماضية- أنها صامدة، ولن تتراجع عن هدفها الأساس وهو التحرير وتحقيق سيادتها على أراضيها المحتلة.
ففي الآونة الأخيرة، سعت الجهود المبذولة للتطبيع مع العدو إلى تحقيق هذا الطمس، لذلك فإن عملية “طوفان الأقصى” قد نجحت في لفت الإجماع الدولي، الذي يعتبر القضية الفلسطينية قضية خاسرة ويجب نسيانها بالكامل، إلى أن المقاومة المسلحة المشروعة هي الخيار الوحيد الذي سيمنح الفلسطينيين مكاسب وجودية بوجه السيادة الإسرائيلية اليهودية العنصرية على كامل أرض فلسطين.
منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، تعاني غزة من حصار اقتصادي قاسٍ فيما يقبع أكثر من 5000 فلسطيني في السجون الإسرائيلية (1200 محتجزين بموجب الاعتقال الإداري). أكثر من 500 قاصر فلسطيني اعتقلتهم العدو منذ بداية العام 2023، والعام لم ينته بعد.
جرب الفلسطينيون الدبلوماسية، وحاول الحكام خداعهم بـ اتفاقيات “سلام”، ولكن كل هذه الجهود لم تؤد إلى نتيجة، بل أصبح وضعهم أسوأ على كافة المستويات، ولو تصرفت الحكومات الغربية بعدالة وبمسؤولية لما وصلنا إلى ما نحن فيه الآن، والمنطقة على حافة حرب شاملة يمكن أن تتحول إلى حرب عالمية كبرى.
صمتت القوى الاستكبارية الكبرى عن جرائم القتل والتعذيب وتدمير المنازل وسلب الأراضي والموارد الحيوية التي يرتكبها قطعان المستوطنين في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني. بل أعربوا -مرارًا وتكرارًا- عن دعمهم وتأيديهم التام للاحتلال الإسرائيلي وشرعنوا جرائمه، وحتى شجعوه على محو فلسطين من التاريخ.
مع ذلك فقد فشل المشروع الإمبريالي في طمس القضية الفلسطينية، بل إن أغلبية الشعوب في العالم والنخب باتوا يدعمون النضال الفلسطيني العادل. خاب منظرو “التأييس” واتسعت رقعة مناصرو المقاومة.
العدو يواصل في انتهاكاته الصارخة للقانون الدولي ولمبادئه الإنسانيّة المزعومة. بالتزامن، الغرب يواصل تمويله وتسليحه في كل منعطف، مهما كانت الجريمة الوحشية التي يرتكبها في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق ومصر والأردن، الخ.
فقد استحدثت الإمبريالية العالمية “إسرائيل” كـ كيان امبريالي وظيفي في انتهاك لمبدأ الأمم المتحدة المزعوم المتمثل فيما يسمى “تقرير المصير”. صمتت عندما قامت الميليشيات الصهيونية المجرمة بتطهير فلسطين عرقيًا، وطردت ما نحو 800 ألف فلسطيني من أرضهم، رافضة معاقبة الإحتلال أو كبح جماح إرهابه والجرائم ضد الإنسانية الذي يرتكبها مستخدمًا أسلحة محرمة دوليًّا.
في الغضون، تواصل وسائل الإعلام التابعة لها في جوقة إثارة الكراهية ضد الفلسطينيين، فيما تصمت عن تدمير غزة وتسويتها بالأرض انتقامًا، وتصمت عن معاناة العوائل الفلسطينية منتهجةً خطاب إعلامي عنصري مقيت. وتصمت عن حرق سيارات ومنازل ومتاجر الفلسطينيين، تحت الحماية الرسمية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وبدعم مباشر من الوزراء العنصريين.
هذا الصمت منح العدو حصانة من العقاب وأدى إلى إدامة الاحتلال العنصري وتصاعد جرائم الحرب التي تتسع دائرتها يومًا بعد يوم. وهذه الصلافة الصريحة تفسر خوف الغرب من قرب إنتهاء صلاحية الكيان الوظيفي وعجزه عن أداء مهمته في المنطقة. العدو يسعى لـ توطين أهالي غزّة في شبه الجزيرة المصريّة “سيناء” وتطويق الضفة الغربية. مساعي حثيثة خبيثة لفتح معبر رفح للخارجين من القطاع فقط. ولا يتوقف العدوان هنا، إذ يفرض على الأسرى اجراءات عقابيّة إنتقامية بمنعهم من التواصل مع العالم الخارجي ووقف بث محطات التلفزة العربية، ناهيك عن حرمان نحو 1400 أسير في النقب من الماء والكهرباء والمواد الغذائية ومن العلاج.