في يومه الذي تجاوز المئة وثلاثين يوماَ، مازال العدوان الصهيوني مستمراً، ومازالت آلة الحرب الهمجية البربرية الصهيونية تصب حممها القذرة على أبناء الشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة، فالوضع الميداني بات منظوراَ من زاويتين:
الأولى: تمادي في الإجرام الوحشي الصهيوني من خلال الإمعان في حرب الإبادة الجماعية والتهجير القسري لأبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة إلى خارج الحدود وإحداث نكبة ثانية كما حصل عام ألفٍ و تسعمئةِ وثمانِ وأربعين، الأمر الذي يؤكده عزم هذا الكيان اجتياح مدينة رفح التي ضمت مئات آلاف النازحين والذي يهدد بكارثة إنسانية كبرى, وهذا ما يهدف إليه بنيامين نتنياهو ليغطي به فشله الذريع في الميدان في قطاع غزة.
والزاوية الثانية: نرى بسالةً وصموداً وثباتاً واستماتةً من قبل المقاومة الفلسطينية في مقارعة هذا العدوان وتكبيده خسائر كبيرة في العدد والعتاد… هذه المقاومة وبعد كل هذه الأشهر تثبت مدى كفاءتها وامتلاكها الإمكانيات والقدرات للثبات في هذه الحرب القذرة لفتراتٍ طويلة وطويلة، وما بين هذا وذاك تستمر الجهود الدولية لإيجاد تسوية لوقف هذا العدوان عبر الدبلوماسية الأحادية هنا وهناك من جهة، ومن جهة أخرى عبر أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي…
ولعلّ أبرز هذه الجهود التي ظهرت ومازالت مستمرة: مقترح الهدنة الذي تقوم برعايته الولايات المتحدة الأمريكية وكل من مصر وقطر والذي يهدف في خطه العريض إلى إقامة هدنة إنسانية لعدة أشهر…. إنّ هذا المقترح الذي قابلته فصائل المقاومة الفلسطينية بردٍ حاسمٍ متضمن الوقف الدائم المطلق للعدوان الصهيوني على قطاع غزة والانسحاب منه وضمان التزام دولي بإعادة الإعمار ورفع الحصار الفوري وإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع.
وإن الاجتماع المزمع عقده في القاهرة لإجراء المفاوضات والذي يضم وفود كل من الولايات المتحدة ومصر وقطر والمقاومة الفلسطينية وهذا الكيان يصطدم بمراوغة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي يريد كسب المزيد من الوقت من أجل تحقيق أهدافه في عدوانه خوفاً من فشله وتعرضه للمحاكمة.
وهذا هو جوهر الخلاف السياسي الكبير بين نتنياهو وجو بايدن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الذي يريد التوصل الى اتفاق هدنة بين الطرفين بسبب اقتراب الانتخابات الأمريكية وما يتعرض له من انتقادات داخل المجتمع الأمريكي بسبب هذا العدوان.
والجدير ذكره أن الخلافات السياسية بين الإدارة الأمريكية ورئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو لا تعني خلافاً مع هذا الكيان بالذات لأن هذا الكيان هو الذراع الطولى للولايات المتحدة الأمريكية في هذه المنطقة، ودليل ذلك أنه رغم الخلاف السياسي بين جو بايدن ونتنياهو ماتزال المساعدات العسكرية الأمريكية الكبيرة تتدفق إلى هذا الكيان مع وجود الخبراء العسكريين لدعمه في عدوانه الهمجي.
إن الولايات المتحدة لا تنطلق من دوافع إنسانية وأخلاقية في مساعيها لإيجاد تسوية عبر هدنةٍ إنسانيةٍ كما تسمى لوقف العدوان فتاريخها المشين معروف في علاقاتها الدولية، وإنما هي تفعل ذلك لتخرج بأقل الخسائر ولتحفظ ماء وجهها من هذه الهزيمة النكراء وبهذا الكيان المجرم كونها الداعم والمحرض الحقيقي لاستمرار هذا العدوان، وذلك لأن فشل هذا العدوان في تحقيق مبتغاه في غزة يعني فشل الولايات المتحدة بالدرجة الأولى، ولأن حرب هذا الكيان هي حرب الولايات المتحدة وغرضها المباشر من أجل تصفية القضية الفلسطينية برمتها. وأخيراً فإن المرجّى من هذه المفاوضات في القاهرة هو تحقيق ما يتتطلع إليه أبناء المقاومة الفلسطينية من حفظ وصيانة لكرامة شعبه وتحقيق أمانيه في وقف هذا العدوان ورفع الحصار وإعادة الإعمار كمقدمة لبناء الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة.