بعد ٤ أشهر من مراكمة النتائج التكتيكية والإستراتيجية، يؤكد سلوك المقاومة حرص قيادتها على حرمان العدو من ترميم هيبة الردع. بالتالي، فإن إسقاط مُسيّرة “زيك – هيرمس ٤٥٠” التي تتمتّع بقدرة متقدمة من المناورة والاستهداف، وذلك يوم الاثنين ٢٦ فبراير ٢٠٢٤، يعد ردًّا موضوعيًّا على تهديدات العدو. فهل يترجم التصعيد المستجد وارتقاء المقاومة بنوعية الأهداف مزيدًا من التدحرج نحو الحرب الشاملة؟
بدايةً، يعتمد الغرور الصهيوني -بشكل أساسي- على “تفوّقه الجوي” المزعوم. بلا شك، قيادة العدو تتألم من تصدع صورة الردع والهيبة التي فشل كل الدعم الأمريكي والغربي الوقح في ترميمها. وبالتالي، يعني ذلك فشله مجددًا في إقناع أكثر من ١٠٠ من قطعان المستوطنين للعودة إلى الاراضي الفلسطينية المحتلة في الشمال إذ فقد هؤلاء المحتلين الشعور بالأمان حيث لم يعد “جيشهم” في موقع إملاء المعادلات.
رد الفعل الإسرائيلي الجنوني -عبر التعدي على العمق اللبناني وصولًا إلى محيط مدينة بعلبك- يؤكد تخوف هؤلاء الصهاينة الواضح وإدراكهم لتداعيات سقوط “سلاح الجو الأقوى في الشرق الأوسط” الذي يعدّه ركيزة المعركة الحالية، فضلًا عن كون وظيفة المُسيّرة “زيك – هيرمس ٤٥٠” تنفيذ الاغتيالات في فلسطين ولبنان وسوريا، الخ إذ تتميّز بتقلّص الفترة الزمنية بين الكشف الاستخباري والاستهداف العملياتي.
في وقت يحاول العدو عبر الميدان والرسائل التهويلية كبح جبهات إسناد مقاومة غزة، يؤكد كذلك إسقاط المُسيّرة “زيك – هيرمس 450” بصاروخ أرض – جو مدى القدرة العملياتية للمقاومة على اختراق المنظومة التكنولوجية التي أمنت لسلاح الجو الصهيوني حيزًا كبيرًا من الحصانة بعدما راهن العدو على أنه تمكّن من فرض هيمنة جوية أطلقت يده في مستوى الاستهداف حتى لو انتهت الحرب خاصةً مع تصاعد تهديدات يوآف غالانت، وزير ما يسمى “الأمن” الصهيوني الأخيرة بشأن مواصلة العدوان على لبنان حتى لو هدأت جبهة غزة.
ردّ الفعل التصعيدي فضلًا يكشف عن تخوف العدو من نجاح حزب الله في فرض “حزام أمني” حقيقي في الأراضي الفلسطينية المحتلة وهذا ما دفع أفيغدور ليبرمان، وزير “الأمن” السابق، إلى التحذير من أن حزب الله “تهديد استراتيجي حقيقي. إذا لم نغيّر معادلة (الردع)، فلن يبقى (سكان) في الشمال”.
الضربة النوعية تلفت إلى إصرار المقاومة على الارتقاء المدروس في العمليات كلما تجاوز العدو قواعد المواجهة، وتكشف جزءً يسيرًا من القدرات العسكرية الكبيرة التي أشار إليها مرارًا أمين عام حزب الله، سماحة السيد حسن نصرالله، والتي لا تزال غالبيتها طي الكتمان. لذا، فإن الهدف من الاعتداء على بعلبك إنما هو توجيه رسالة مفادها بأنه مستعد لتجاوز سقوف أشد خطورة، إلا أنه لا يؤشر حتى الآن إلى التدحرج إلى الحرب الشاملة، وهو ما صرح به اللواء يعقوب عميدرور، الرئيس السابق لما يسمى بـ “مجلس الأمن القومي الإسرائيلي” لافتًا إلى إنّ “كلا الطرفين يضرب على يد الآخر حين يرى أنه تجاوز المربّع الذي تدور ضمنه المعركة” مؤكدًا أنه سيكون من الغباء البدء بحرب على لبنان “لأن الأمر يتعلق بمصير (الدولة)” محذرًا من “فظاعة الحرب إذا ما اندلعت بالقول: “قبل أن تتخذ قرارًا، عليك أن تتأكد بأن الطرف الثاني يدرك المخاطر التي ينخرط فيها”. وفق المعطيات، اذا تمّ التوصل سواء إلى هدنة أو وقف إطلاق نار دائم في غزة، فإنّ حزب الله سيلتزم بها، أما في حال قرّر العدو مواصلة اعتداءاته على لبنان فسيكون له بالمرصاد. حتى اللحظة، رغم ارتفاع منسوب الغليان الميداني، فإن احتمال اندلاع حرب شاملة لا يزال مستبعدًا مع الأخذ في الحسبان أنّ وجود مسؤولين صهاينة متهورين يستوجب التحسب لكل الاحتمالات.