يردد الكثير من سكان غزة تلك العبارة التي تحمل في طياتها أقسى أنواع المعاناة والمأساة، حيث يقولون ويتساءلون حول أنه كيف لم يتمهل شهر رمضان بعض الشيء ولماذا لم يؤخر قدومه هذا العام، حيث يعيش حوالي 2.2 مليون من سكان غزة ضمن أوضاع متردية بين تشرد وجوع، ولا سيما وقد تبددت الآمال بالوصول إلى هدنة، ولا تزال غزة دون أدنى مقومات الحياة والإنسانية.
لقد مرت خمسة أشهر والحرب متواصلة، وذلك منذ السابع من شهر تشرين الأول، وقد أدت إلى انعدام كل مقومات الحياة لأهالي قطاع غزة، وأدت إلى نقص شديد في المواد الغذائية التي وإن وُجدت، فإن أسعارها قد تضاعفت بشكل لا يُصدق، كما أن معظم أهالي قطاع غزة يعيشون في العراء وقد فقدوا منازلهم التي تعرضت للتدمير من قبل الكيان الصهيوني المحتل، أو أنهم نزحوا منها إلى جنوب قطاع غزة.
ومن ثمّ ووفقاً لكل التقارير التي وردت من غزة فقد أتى شهر رمضان المبارك دون أي مظهر يشير إلى قدومه، والتي كان قد اعتاد عليها أهالي غزة خلال السنوات الماضية، فقد غابت الزينة التي أصبحت خيالاً من الماضي، كما أنه لم يعد بالإمكان إقامة موائد الرحمن المعتادة، وخاصة وقد ضرب الجوع غزة من كل اتجاه.
وعليه فالمأساة المستمرة ستزداد سوءاً ولا سيما وأن شهر رمضان يحمل طقوساً معينة، والناس ليس لديهم ولا يملكون شيئاً لكي يطبقوا هذه الطقوس، فالمجاعة ستستمر، والأوضاع ستزداد سوءاً إذا استمر الوضع بما هو عليه.
ولا بد لنا من الإشارة إلى أن غزة ليست وحدها ضمن هذه المأساة، ففي معظم مدن الدول المجاورة يظهر تمدد الآثار الاقتصادية السلبية لحرب غزة على تلك المدن، إضافة إلى الآثار النفسية التي تخيم على الناس الذي لم يعودوا يشعرون بأي طعم للشهر الكريم وهم يرون معاناة أهل غزة من الجوع، فالحرب في غزة تلقي بظلالها على جمعٍ كبير من المسلمين اقتصادياً ومعنوياً، فمع قدوم شهر الخير والبركة اختفت اليوم مشاهد المتاجر والأسواق والتي كانت تعج بالزبائن كل عام مع قدوم شهر الصيام في الضفة الغربية في وقت يتحدث فيه سكان الضفة عن تداعيات اقتصادية كبيرة للحرب أدت إلى رفع أسعار جميع المنتجات بصورة غير مسبوقة.
كذلك لا بد لنا من الإشارة أن الأمم المتحدة قد أكدت أن أكثر من نصف مليون شخص في غزة يواجهون خطر المجاعة في ظل حصارٍ فرضته غطرسة الكيان الصهيوني المحتل، كما اتهمت منظمات حقوقية الكيان الاسرائيلي الغاصب باستخدام الجوع كسلاح لتدمير مناعة وصمود أهالي غزة الصامدين.
إنّ اليوم ومع حلول شهر رمضان الكريم فإن الوضع الإنساني في غزة يزداد سوءاً والجوع وسوء التغذية يقتل الأطفال، فالمأساة الإنسانية تتفاقم في الشهر الفضيل، وأكثر من 2.2 مليون فلسطيني سيموتون من المجاعة، وكل هذا وهناكَ نقص شديد في المساعدات الغذائية والإنسانية والتي تمنع قوات الاحتلال الصهيوني وصولها، فلا شيء يضاهي الدمار والحرمان في غزة حيث الأحياء مدمرة والأطفال يتضورون جوعاً والمقابر الجماعية محفورة في الرمال.
وأخيراً لا بد لنا من القول بأنه يتوجب على المجتمع الدولي العمل على وقف حرب الإبادة الجماعية، وبأبسط تقدير إعلان هدنة في هذا الشهر الفضيل، وإدخال المساعدات إلى غزة، على أن عمليات إسقاط المساعدات من الجو لا يمكن أن تكون بديلاً عن إدخال الشاحنات إلى غزة عبر البر، كما أنه يتوجب على جميع المسلمين في العالم عامة وفي الوطن العربي خاصة من أن يقفوا ليمنع كارثة إنسانية الكبرى تحيق بكل أهالي قطاع غزة قبل أن يتفاقم الوضع أكثر وأكثر.