منذ بداية الصراع الحالي بين حزب الله والكيان المحتل، فإن كل تصعيد جديد يثير المخاوف من دخول المنطقة في مرحلة جديدة من الصراع، فبعد الهجمات الأخيرة التي وقعت في جنوب لبنان وأطرافه، يسود الجدل حول ما إذا كان هذا التصعيد يشير إلى مرحلة جديدة من العنف بين الجانبين، حيث ارتفعت حدة المواجهة بين حزب الله والكيان الصهيوني وبلغت أعماق كل من الجانبين، وهذا ما كان من شأنه أن يرفع من وطأة التكهنات حيال المرحلة التالية.
فالصراع بين حزب الله والكيان الصهيوني له تاريخ طويل من الصراعات والتوترات، ومع ذلك، فإن القواعد الموجودة للصراع تعزز فرضية استمرار الصراع بين الجانبين دون الانزلاق إلى حرب شاملة، ويبدو أن هذه القواعد تحكم الاشتباكات الحالية، والتي تتضمن استهدافًا محدودًا وتبادل للضربات دون الانحراف عن المناطق المحددة.
ولا بد من القول من أن جذور التوترات الأخيرة بين الطرفين تعود إلى الأحداث التي وقعت في غزة، والتي أثارت ردود فعل قاسية من حزب الله، حيث إن تصعيد الهجمات في جنوب لبنان يعكس استمرار هذا الدور الردعي والانتقامي من قبل الطرفين.
ومع ذلك، فإن هذا التصعيد لا ينبغي أن يؤخذ على أنه مؤشر مباشر على احتمال حدوث حرب شاملة، فالتحليلات تشير إلى أن هناك إرادة لدى جميع دول العالم في تفادي الانزلاق نحو صراع واسع النطاق، وهو ما يعزز فرضية استمرار التوتر دون الانحراف إلى حرب مفتوحة.
ولقد كان التصعيد الأخير خطيرا جداً ببلوغه عدلون في جنوب لبنان، والتي هي منطقة بعيدة عن أرض العمليات، وقد نجم عنها اغتيال الكيان المحتل قياديا بارزا في حزب الله… ولا بد من الإشارة من أن الرد الإيراني على الكيان الغاصب لم يكن إلا أحد وجوه قواعد الاشتباك النافذة والقائمة في لبنان وغيرها في منطقة الشرق الأوسط، وكل ذلك له صلة مباشرة بشكل أو بآخر بما يجري في غزة من قتل وتهجير وحرب إبادة جماعية، فإن صحّ القول بشأن محرقة يهودية وهذا هو المستبعد حيث يستحيل أن يكون الذئب ضحية في يوم من الأيام، فإن ما يجري في غزة لهو أشد وطأة وأقسى لهجة تجاوزت حد أي محرقة قد يذكرها التاريخ بحق أي شعب من الشعوب.
وبالتالي يمكننا القول بأن قواعد الاشتباك بين المقاومة الإسلامية في لبنان والمتمثلة بحزب الله وبين الكيان الصهيوني المحتل ليست أبعد من أن تكون قصفاً مقابل قصف واستهداف مقابل استهداف، ولكن رغم ذلك فيمكن أن تكون الشرارة مختبئة في إحدى تلك النقاط لتشعل المنطقة بكاملها، وهذا الذي لا يريده الكيان المحتل ولاسميا وقد أُرهق في حربه في غزة وتتالي الضربات عليه في عدة جبهات.
ولا بد من الإشارة إلى أن حزب الله قال بصريح العبارة أنه لا عودة للمستوطنين إلى شمال إسرائيل، بعدما أحرقت إسرائيل عدة قرى في المنطقة الحدودية في جنوب لبنان، ولكن المؤشر الأكثر أهمية هو أن ما يعلنه حزب الله باستمرار أنه لن ينزلق إلى حرب شاملة وواسعة والتي من الممكن أن يكون الكيان المحتل يستدرجه إليها وامتناع حزب الله ليس إلا لأسباب أمنية، ولأسباب لبنانية داخلية كما لأسباب إيرانية، لأن طهران، كما نعرف جميعا أيضا، أعلنت مرارا أنها لا تريد الحرب، فهذا المحور المقاوم لا يريد إلا دفع الموت، ولا يريد إراقة الدماء، وهذا ما أعلنه عندما أعطى الفرصة للكيان المحتل بأن يوقف حرب غزة مقابل عدم الرد على الهجوم الصهيوني على القنصلية الإيرانية في دمشق، فالمهم بداية ونهاية هو فلسطين عامة وغزة خاصة، ولكن لا حياة لمن تنادي، مما اضطر إيران للرد حينها وصفع الكيان المحتل صفعة غيرت مسار التاريخ.
لذلك يصح القول إن ما يجري من تصعيد في جنوب لبنان سيظل مفتوحا باستمرار، وبوتيرة هبوط وصعود إلى أن تتوقف النار في غزة وبالتالي ستنتصر الجبهة الجنوبية، أي أنه لا وقف للنار في الجنوب قبل وقف النار في غزة، ولكن في المقابل ليس هناك تفلت أو انزلاق إلى حرب واسعة وعلى الأقل ذلك ما يذكره حزب الله.
ولا بد من الإشارة إلى أن الجهود الدولية تبقى مهمة في تهدئة التوترات وتجنب التصعيد الإضافي، حيث من المحتمل أن تشهد المنطقة مزيدًا من الدبلوماسية والوساطة في الأيام والأسابيع القادمة.
وبعبارة أخرى، فإن التصعيد الأخير بين حزب الله والكيان المحتل يظل ضمن إطار الصراع القائم بينهما، دون أن يشير بشكل مباشر إلى احتمالية حدوث تصعيد جديد يهدد باندلاع حرب شاملة في المنطقة.