منذ تأسيسه عام 1948، واجه الكيان الصهيوني مقاومة مستمرة من قبل الشعوب العربية والفلسطينية التي رفضت الاعتراف بشرعيته ووجوده، وهذه المقاومة، التي بدأت بأشكالها التقليدية والسياسية وتطورت إلى أشكال مقاومة مسلحة ومعقدة، وضعت الكيان الصهيوني أمام تحديات وجودية حقيقية، ولا بد لنا بادئ ذي بدء من أن نذكر الجذور التاريخية للمقاومة، حيث بدأت المقاومة الفلسطينية قبل تأسيس الكيان الصهيوني بسنوات، فلقد رفضت القيادات والشعوب الفلسطينية والعربية تقسيم فلسطين وقيام دولة يهودية على أراضيها، وإن انتفاضة البراق عام 1929 وثورة 1936-1939 كانت أبرز الأمثلة على المقاومة الشعبية والسياسية ضد المشروع الصهيوني.
ومع إعلان قيام “دولة إسرائيل” عام 1948، تصاعدت المقاومة المسلحة، ووقعت العديد من الحروب بين الدول العربية والكيان الصهيوني، أبرزها حرب 1948 وحرب 1967 وحرب 1973، وعلى الرغم من الانتصارات العسكرية الإسرائيلية في هذه الحروب، إلا أن المقاومة لم تتوقف واستمرت بشكل متصاعد.
ولقد استمرت المقاومة في نضالها المشروع حتى شهدت الأراضي المحتلة تصاعدًا كبيرًا في التوترات والأحداث العنيفة عقب ما أصبح يُعرف بـ”طوفان الأقصى”… هذا الحدث، الذي أخذ اسمه من الهجوم المفاجئ والشامل الذي نفذته الفصائل الفلسطينية، والذي كان له تأثيرات عميقة على الاستقرار الداخلي للكيان الصهيوني، وسنستعرض في هذه المقالة العوامل التي ساهمت في تزعزع هذا الاستقرار والآثار المتوقعة على المدى القصير والطويل.
العوامل المؤثرة في تزعزع الاستقرار
- الهجوم المفاجئ: الهجوم الذي شنته الفصائل الفلسطينية جاء بمثابة صدمة كبيرة للكيان الصهيوني، خاصة في ظل قدرته على تجاوز التحصينات الدفاعية واختراق الحدود… هذا الهجوم كشف عن نقاط ضعف استراتيجية في المنظومة الأمنية، مما أدى إلى فقدان الثقة بين المواطنين والقيادة العسكرية.
- الخسائر البشرية والمادية: نتج عن الهجوم سقوط عدد كبير من الضحايا وتدمير بنية تحتية حيوية، وهذا الأمر زاد من حالة الهلع والخوف بين سكان المناطق المستهدفة، وأدى إلى زيادة الضغوط على الحكومة لتوفير حماية أفضل وتلبية احتياجات المتضررين.
- التظاهرات والاحتجاجات الداخلية: تصاعدت الاحتجاجات داخل الكيان الصهيوني، حيث خرجت مجموعات كبيرة من المجتمع في تظاهرات تعبيرًا عن الغضب والسخط على الأداء الحكومي والعسكري في التعامل مع الأزمة، وهذه التظاهرات أضافت طبقة جديدة من التوتر، ما زاد من صعوبة السيطرة على الوضع الداخلي.
- التأثير على الاقتصاد: الهجمات وأعمال العنف أثرت سلبًا على الاقتصاد الإسرائيلي، حيث توقف العديد من الأعمال والشركات، وانخفضت معدلات الاستثمار والسياحة، مما أدى إلى تدهور الوضع الاقتصادي وزيادة معدلات البطالة والفقر.
الآثار على المدى القصير والطويل
- على المدى القصير: يمكننا القول أنهمن المتوقع أن تستمر حالة عدم الاستقرار لفترة طويلة، مع استمرار التظاهرات ومحاولات الحكومة إعادة السيطرة على الوضع الأمني، وستكون هناك محاولات لإعادة بناء الثقة بين القيادة والمواطنين، ولكن هذا سيتطلب وقتًا وجهودًا كبيرة.
- على المدى الطويل: قد يترتب على هذه الأحداث تغييرات جوهرية في السياسة الإسرائيلية، سواء من خلال تغيير القيادة أو من خلال تبني سياسات جديدة تهدف إلى تعزيز الأمن والاستقرار… بالإضافة إلى ذلك، من المحتمل أن يكون هناك ضغط دولي متزايد لإيجاد حلول دائمة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
هذا من جهة، ولكن، بعدما جرى منذ عملية طوفان الأقصى ولا سيما وقد تكاتفت جبهات المقاومة على عدة أصعدة، نرى أن الظروف الإقليمية والدولية بدأت تشهد تغيرات قد تُعزز الأمل في اقتراب تحرير فلسطين، ولا سميا وقد تكبد الكيان الصهيوني خسائر فادحة وافتضحت قوته المزعومة.
إن “طوفان الأقصى” لم يكن مجرد هجوم عسكري، بل كان حدثًا له تداعيات واسعة على الكيان الصهيوني، من تزعزع الاستقرار الداخلي إلى التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية، حيث يواجه الكيان تحديات كبيرة في المرحلة القادمة، والتعامل مع هذه التحديات يتطلب منه جهودا كبيرة ولا سيما وقد أثارت وحشيته الحراك العالمي ضد ما يقوم به من حرب إبادة جماعية في غزة ورفح.
وإن أحد أهم جوانب انهيار الكيان الصهيوني أمام المقاومة هو البعد النفسي والمعنوي، فلقد خلق طوفان الأقصى حالة من عدم الأمان والقلق المستمر داخل المجتمع الإسرائيلي، حيث إن التأثير النفسي لهذا الطوفان كان واضحًا في تراجع الهجرة اليهودية إلى فلسطين وزيادة معدلات الهجرة العكسية.
وعلى الرغم من التفوق العسكري والتكنولوجي للكيان الصهيوني، إلا أن المقاومة أثبتت أنها تمتلك القدرة على التكيف والتطور، فمع استمرار الدعم الشعبي واللوجستي، ووجود بيئة إقليمية داعمة، يمكن للمقاومة أن تستمر في تشكيل تهديد حقيقي للكيان الصهيوني.
وفي الختام، يمكن القول إن انهيار الكيان الصهيوني أمام المقاومة ليس مجرد احتمال نظري، بل هو واقع يتجسد في سلسلة من الأحداث والتحولات التي شهدتها المنطقة على مدى العقود الماضية، وإن استمرار المقاومة، بوسائلها المختلفة، يبقى العامل الحاسم في مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.