في الأيام الأخيرة، شهدت المنطقة تصاعدًا ملحوظًا في حدة التصريحات السياسية والعسكرية للكيان الصهيوني حول لبنان، وهذا التصعيد يتزامن مع انتقادات عنيفة وجهها ممثلو البلديات والمستوطنات على الحدود لحكومة الكيان الإسرائيلي، ويبدو أن هناك عدة عوامل تدفع بهذا الاتجاه، بما في ذلك اعتماد جبهة المقاومة في لبنان المتمثلة بــ «حزب الله» لآليات عسكرية جديدة وإطلاق صواريخ وقذائف من أماكن بعيدة عن الحدود، بالإضافة إلى أسباب شخصية تتعلق برئيس وزراء حكومة الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
الأسباب العسكرية والاستراتيجية
وهذا التصعيد الإسرائيلي الأخير يمكن تفسيره من خلال عدة جوانب، فأولًا: هناك اعتماد «حزب الله» لآليات عسكرية جديدة تسمح له بإطلاق صواريخ وقذائف من أماكن بعيدة عن الحدود، مما يغير قواعد اللعبة التقليدية ويزيد من تعقيد المواجهة، وهذا النوع من التكتيكات العسكرية يشكل تحديًا جديدًا للكيان الصهيوني الذي يعتمد في كثير من الأحيان على قدرته على التنبؤ بالمخاطر والرد عليها بسرعة.
وثانيًا: الوضع في الداخل الإسرائيلي يلعب دورًا كبيرًا، فالانتقادات الحادة التي يوجهها ممثلو البلديات والمستوطنات على الحدود للحكومة تعكس حالة من القلق وعدم الرضا بين السكان الذين يشعرون بأنهم معرضون للخطر، وهذا الضغط الداخلي يمكن أن يدفع حكومة الكيان الصهيوني إلى اتخاذ خطوات تصعيدية للتأكيد على أنها تأخذ تهديدات «حزب الله» بجدية وتعمل على حماية أمن مواطنيها.
الدوافع السياسية والشخصية
أما على الصعيد السياسي والشخصي، فإن رئيس وزراء حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يواجه ضغوطًا داخلية وخارجية هائلة، خاصة بعد الحرب الأخيرة على غزة، وهذه الانتقادات الداخلية والدولية الموجهة لنتنياهو تجعله في موقف صعب، وقد يكون التصعيد ضد لبنان جزءًا من استراتيجيته للهروب إلى الأمام… في السياسة، الهروب إلى الأمام يعني محاولة صرف الأنظار عن المشكلات الداخلية من خلال خلق أزمة جديدة أو التركيز على تهديد خارجي.
نتنياهو قد يرى في تصعيد الوضع مع لبنان فرصة لتوحيد الصف الداخلي وتحويل الانتباه عن القضايا الأخرى التي تواجه حكومته، وفي هذا السياق، يمكن أن يكون الهدف من التصعيد هو تعزيز موقفه السياسي وإظهار أنه قائد قوي قادر على حماية البلاد من التهديدات الخارجية.
العواقب المحتملة
إن اندلاع حرب جديدة بين الكيان الصهيوني ولبنان، حتى ولو كانت محدودة، سيكون له عواقب وخيمة على المنطقة بأسرها، فمن ناحية، ستجد القيادة الإسرائيلية نفسها مضطرة لخوض حربين في آن واحد: الأولى مع «حزب الله» في لبنان، والثانية مع حركات المقاومة في غزة، وهذا السيناريو لم يحدث منذ حربي 1967 و1973، وهو يمثل تحديًا كبيرًا للقدرة العسكرية الإسرائيلية التي قد تجد نفسها مجبرة على توزيع جهودها ومواردها على جبهتين مختلفتين.
ومن ناحية أخرى، فإن التصعيد العسكري قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في لبنان الذي يعاني بالفعل من أزمة اقتصادية وسياسية حادة، وهذه الحرب قد تزيد من معاناة الشعب اللبناني وتدفع البلاد نحو مزيد من الفوضى والانهيار، كما أن هذا التصعيد قد يجر قوى إقليمية ودولية أخرى إلى النزاع، مما يزيد من تعقيد الوضع.
الخلاصة
إن التصعيد الإسرائيلي ضد لبنان يعكس مزيجًا من الدوافع العسكرية، السياسية والشخصية: اعتماد «حزب الله» لآليات عسكرية جديدة، وكذلك الضغط الداخلي على الحكومة الإسرائيلية يلعبان دورًا في هذا التصعيد… بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن نتنياهو يستخدم هذا التصعيد كوسيلة للهروب من الضغوط الداخلية والخارجية التي يواجهها.
في النهاية، يمكننا القول بأن أي حرب جديدة بين الكيان الصهيوني ولبنان ستكون لها عواقب وخيمة على الكيان الصهيوني الذي بدأ مرحلة بداية الانهيار والزوال وهي التي ستحاول الولايات المتحدة الأمريكية بشتى الوسائل أمن تمنع حدوثه كون الكيان الصهيوني يشكل بالنسبة لها قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط، لذلك فمن المرجح أن تتجه المنطقة إلى حالة من الهدوء الحذر واتخاذ وقف إطلاق النار في غزة حجة على ذلك، في الوقت الذي ستعمل فيه المقاومة سواء في لبنان أو غيره على تصعيد هجماتها لإضعاف الكيان المحتل والعمل على وقف حرب الإبادة التي يمارسها الكيان في غزة.