بالرغم من العدوان الصهيوني المستمر على قطاع غزة حتى الآن، مع ما يرتكبه هذا الكيان من مجازر وحشية بحق المدنيين، ومع تصاعد وتيرة التوتر على الجبهة الشمالية، فقد كثر الحديث واللغط في الآونة الأخيرة، حول قيام الكيان الصهيوني بشن حرب واسعة على لبنان، مستهدفاً بذلك المقاومة الإسلامية اللبنانية (حزب الله) وذلك تحجيماً لدوره كجبهة إسناد للمقاومة الفلسطينية من جهة وإبعاد خطره عن الشريط الحدودي والمستوطنات الشمالية من جهة ثانية.
وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال: هل يمتلك الكيان الصهيوني القدرة على خوض حرب جديدة على لبنان في هذا الوقت بالذات، بعد هذه الأشهر الطويلة من استنزاف قدراته العسكرية بعد عملية طوفان الأقصى.
والأهم من ذلك هل الجبهة الداخلية الصهيونية تمتلك قراراً موحداً بشأن هكذا حرب؟
هذه التساؤلات تكمن الإجابة عليها من خلال الواقع الميداني، هذا الواقع الذي يستحيل معه ارتكاب هذا الكيان حماقة حرب جديدة على لبنان قد تكون كفيلة بإنهاء وجوده، واستحالة ذلك تتأتى من رؤية تحليلية موضوعية لمفاصل هذا الكيان بعد عملية طوفان الأقصى.
وذلك بتسليط الضوء على الجانب السياسي والاقتصادي والعسكري، إضافة إلى العامل الخارجي المضاد والمتمثل بقدرة حزب الله المتعاظمة المتجسدة بحجم العمليات النوعية والدقيقة التي يدك من خلالها تحصينات العدو الصهيوني ومواقعه العسكرية، وهو بذلك يمثل التهديد الأكبر على وجود هذا الكيان، وكذلك المناخ الدولي الذي بات أكثر من أي وقت مضى مستاءً من حجم المجازر الوحشية الذي يرتكبها في غزة.
فمن الناحية العسكرية وبعد تسعة أشهر من العدوان على غزة، فقد تداعت البنية التحتية العسكرية أمام ضربات محور المقاومة ابتداءً من فلسطين وانتهاءً بالمقاومة الإسلامية في لبنان، مروراً باليمن والعراق، ناهيك عن قوة الردع الذي تجسده الجمهورية الإسلامية الإيرانية تجاه الكيان خصوصاً بعد الضربة العسكرية الأخيرة.
فهذا الكيان لم يعتد منذ قيامه حرباً طويلة كهذه، فهذه الحرب على غزة قد أنهكت قواه وسببت له خسائر فادحة، وما زيارة وزير الحرب الصهيوني مؤخراً إلى واشنطن إلا طلباً للدعم العسكري وتزويد الكيان بالأسلحة وهذا من أدل دليل على الضعف الذي يعاني منه.
وبالتالي فإن ارتكاب الكيان الصهيوني حماقة حرب على لبنان يعتبر خطأ استراتيجياً قاتلاً، سواء اقتصر الأمر على المواجهة الأحادية أم أدى ذلك إلى حرب إقليمية، وذلك ما لا تريده الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وفي كلا الحالين هذا يعني خطراً وجودياً على هذا الكيان.
أما من الناحية الاقتصادية، والتي تعتبر الدعامة الأساسية لقدرة أي دولة على خوض حرب أو استمرارها في حرب معلنة، فإن الاقتصاد الصهيوني قد تأثر بشكل رهيب خلال فترة العدوان على غزة، وذلك من خلال الشلل الذي أصاب عملية الإنتاج في كثير من القطاعات الاقتصادية، وكذلك توقف الاستثمارات، إضافة إلى العامل الأهم والذي يحمل في طياته شقا عسكرياً وآخراً اقتصادياً وهو جبهة الإسناد اليمنية والتي فرضت حصاراً في البحر الأحمر على كل السفن العابرة إلى هذا الكيان والمحملة بالإمدادات، فهذا الاقتصاد المترهل بالكاد يدعم استمرار الحرب على غزة، فكيف يمكنه دعم حرب جديدة على لبنان.
أما من الناحية السياسية فقد أصبحت صورة الكيان مشوهة ومشوشة في الذهنية السياسية الدولية بسبب الإبادة الجماعية لأهالي غزة، وبالتالي فإن أي عدوان جديد على لبنان من شأنه أن يزيد من عزلة هذا الكيان على الساحة الدولية.
وإذا ما عدنا إلى الرأي حول ذلك ضمن البيت الداخلي الصهيوني الذي أصبح مشتتاً ومنقسماً، لَوَجدنا أن الكثيرين من القيادات ليسوا مع الحرب على لبنان، لأنه في نظرهم فإن هذه الحرب ستكون أسوأ ما يتعرض له كيانهم عبر تاريخه، حتى أن أحدهم وصف نتيجة أي حرب مع حزب الله بالمحرقة الثانية، وقد صرح رئيس شعبة العمليات في الجيش الصهيوني بقوله: إن الدخول في حرب مع لبنان يأتي في أسوأ وقت ممكن بالنسبة للكيان الصهيوني، أما وزير الحرب الصهيوني فقد أكد من قلب واشنطن أن الكيان لا يريد حرباً مع حزب الله بل يريد التسوية معه.
وخلاصة القول:
إن هذا الكيان يمر بأسوأ مرحلة منذ تأسيسه، وأن أي حرب على لبنان سيقوم بها، تعني أولاً وآخراً تهديداً حقيقياً وجدياً لوجوده، وهذا ما يدركه قادة الكيان جيداً وكذلك داعميه الغربيين، لذلك فإن قيام الكيان بالعدوان على لبنان هو احتمال شبه مستحيل وإن كان قائماً، على الأقل في المدى المنظور، وهذا الأمر أي وجود احتمال الحرب على لبنان، مرهون كله بنوع الحماقة السياسية التي يتميز بها قادة الاحتلال.