حرب إعلامية تستهدف المقاومة
تصاعد الصراع الإعلامي
في ظل تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، حيث تراكم المقاومة إنجازاتها دفاعًا عن سيادة لبنان ودعمًا للشعب الفلسطيني المحتل… برزت جبهة إعلامية خفية تعمل في خدمة إسرائيل. هذه الجبهة ليست ساحة قتال تقليدية، بل ساحة حرب رقمية تستهدف تشكيل الرأي العام. شركة “ميتا” (Facebook سابقًا) كشفت عن وجود حملة منظمة تقودها شبكة من الحسابات الوهمية تسعى للتأثير على الرأي العام في عدة دول، بما في ذلك لبنان.
شبكة الحسابات الوهمية: حملة إعلامية موجهة
أعلنت شركة “ميتا” مؤخرًا أنها أزالت 112 حسابًا و65 صفحة على فايسبوك و49 حسابًا على إنستغرام… بسبب انتهاكها سياسات الشركة المتعلقة بإنشاء حسابات وهمية وتنظيم حملات منظمة. هذه الحملات كانت تستهدف بشكل رئيس تشكيل رأي عام مزيف ضد المقاومة اللبنانية عبر استغلال الأحداث وإثارة الفتن السياسية.
وكشفت “ميتا” أن الشبكة كانت تديرها شركة LT Media، ومقرها في فيتنام… لقد نفّذت هذه الشركة أربع حملات إقليمية بلغت قيمتها 1.2 مليون دولار، استهدفت الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، ولبنان، بالإضافة إلى السعودية وقطر بشكل ثانوي. الحملة التي كانت تستهدف لبنان تحديدًا كانت موجهة باللغتين العربية والفرنسية، بهدف خلق رأي عام مناهض للمقاومة اللبنانية وتصويرها كعامل مزعزع للاستقرار في المنطقة.
أساليب الحرب الرقمية: منصات متعددة وأهداف مشتركة
لم تقتصر الحملة على منصتي فايسبوك وإنستغرام فحسب، بل توسعت لتشمل منصات أخرى مثل يوتيوب، تلغرام، وإكس (تويتر سابقًا). بالإضافة إلى ذلك، قامت الشركة الفيتنامية بتشغيل مواقع إلكترونية تحمل أسماء ذات طابع سياسي مثل “العار على قطر” و”شيعة ضد الحرب”. كما استهدفت الحملة الرأي العام اللبناني من خلال نشر عرائض على موقع Change.org… واستخدام لوحات إعلانية على الطرقات في الولايات المتحدة ولبنان.
وفي لبنان، استخدمت الحملة لوحات إعلانية تحمل شعار “#لبنان_لا_يريد_الحرب”، محاولةً إيصال رسالة تدعو لبنان إلى الامتناع عن الأعمال العسكرية ضد إسرائيل. ولزيادة التأثير، أنشأت المجموعة وراء هذه الحملة حركة وهمية تدعى “It’s In Your Hands” (الأمر بيديك)، وادّعت أنها تحالف غير رسمي يعمل على مساعدة أسر الرهائن الإسرائيليين منذ أكتوبر.
التحقيق الداخلي لشركة “ميتا”: كشف النقاب عن الحقائق
كشفت شركة “ميتا” عن هذا النشاط من خلال تحقيقات داخلية دورية تجريها الشركة في سلوكيات منسقة ومشبوهة. وبالرغم من محاولات الأشخاص الذين يقفون وراء هذه الشبكة إخفاء هويتهم وتنسيقهم المشترك… خلص التحقيق إلى وجود روابط واضحة بين هذا النشاط وشركة LT Media الفيتنامية. ويُعتقد أن هذه الشركة كانت تدير هذه الحملات نيابةً عن زبائن لم يُفصح عن هويتهم، حيث وفرت لهم خدمات تشغيل حسابات وهمية لتنفيذ هذه العمليات دون أن تكون هويتهم معروفة.
التضييق على الحسابات الداعمة لفلسطين: ازدواجية المعايير
من المفارقات أن شركة “ميتا” لم تكتفِ بالكشف عن هذه الحملات المضللة، بل إنها تواصل التضييق على الحسابات الداعمة لفلسطين والمقاومة على وسائل التواصل الاجتماعي. حيث قامت الشركة بتعطيل آلاف الحسابات لصحافيين وناشطين، ومنعت وصول العديد من المنشورات المتعلقة بمظلومية الشعب الفلسطيني إلى العالم، خاصةً منذ بداية العدوان على غزة.
استغلال الصور الشخصية: انتهاك الخصوصية لأغراض سياسية
من بين التكتيكات المستخدمة في هذه الحملة، كان استغلال صور شخصية لأفراد لبنانيين بدون موافقتهم. فعلى سبيل المثال… استخدمت الحملة المشبوهة صورة لعائلة الشهيد الإعلامي عصام العبدالله في أحد منشوراتها… مما دفع العائلة لإصدار بيان استنكار ومطالبة بإزالتها. الشهيد عبدالله، الذي استشهد في أكتوبر الماضي خلال تغطيته للأحداث في جنوب لبنان… لم تُحترم خصوصيته ولا خصوصية عائلته، حيث استخدمت الحملة صورة جنازته لأغراض سياسية.
استخدام الذكاء الاصطناعي: تضليل متطور
أظهر تقرير “ميتا” أن الحملة استخدمت تقنيات الذكاء الاصطناعي لتوليد صور شخصية وهمية… بهدف تضخيم جهود الحملة وإدارة الصفحات الوهمية بشكل أكثر إقناعًا. هذه التقنية مكنت مشغلي الحملة من خلق شخصيات رقمية وهمية تدعم مواقفهم… مما يعقد عملية اكتشافها ويزيد من تأثيرها السلبي على الرأي العام.
المقاومة الإعلامية
في ظل هذه الحقائق، يتبين أن الحرب الإعلامية لا تقل خطورة عن الحرب العسكرية. كشف “ميتا” عن هذه الحملة يؤكد أن هناك جهات تعمل على زعزعة الاستقرار في لبنان وتشويه صورة المقاومة. ومع ذلك، فإن وعي الرأي العام وتفحص المعلومات بعناية يبقيان السلاح الأهم في مواجهة مثل هذه المحاولات. لا شك أن المعركة مستمرة، ولكن الوعي والحذر يبقيان الحصن المنيع أمام هذه الحملات المضللة.