في أغسطس المنصرم، تلقى مدراء المدارس العربية في القدس رسالةً من بلدية الاحتلال تحت عنوان “التقيد بالكتب المدرسية (المنهاج الفلسطيني) المطبوعة من قبل البلدية للعام الدراسي 2024-2025”. وورد فيها تذكير بوجوب التقيد بالكتب التي سيتم توزيعها من قبل قسم المعارف العربية بالبلدية الإسرائيلية إذ يمنع منعًا باتًا استخدام كتب مدرسية من أي مصادر خارجية. ولفتت إلى أنه ابتداء من العام الدراسي الحالي ستجري مراقبة شديدة من قسم التدقيق والرقابة في وزارة المعارف الإسرائيلية على المناهج.
بعد احتلال مدينة القدس في العام ١٩٦٧، حاول الإحتلال الإسرائيلي السيطرة على المدرسة لكن ثلة من المدراء، وعلى رأسهم المرحوم الأستاذ حسني الأشهب، تصدوا لهذا المشروع الخطير مما اضطر الإحتلال إلى رفع أيديه والتراجع.
بعد الانتفاضة الأولى، والانتفاضة الثانية، تنبه الاحتلال الإسرائيلي بأن المدارس في القدس بدأت تخرج طلابًا مرتبطين بهويتهم المقدسية الفلسطينية. فبدأ الإحتلال بمخطط، وهو أسرلة التعليم أو تهويد التعليم في مدينة القدس، عبر بناء المدارس الكبيرة الفارهة لتقييد المدارس الفلسطينية الخاصة والتابعة لدائرة الأوقاف الإسلامية.
إلى أي مدى يمكن أن تواجه هذه المدارس أسرلة التعليم؟
تقسم المدارس في القدس إلى أربع أقسام:
١) المدارس التي تتبع لبلدية القدس الإسرائيلية تضم في الوقت الحالي ما يقارب ال70% من الطلبة المقدسيين؛
٢) المدارس التي تتبع لدائرة الأوقاف الإسلامية، والتي كانت قبل قدوم السلطة الفلسطينية تتبع إلى الحكومة الأردنية. بعد قدوم السلطة أصبحت تتبع للسلطة الفلسطينية في رام الله؛
٣) المدارس الخاصة وهي مستهدفة في الوقت الحالي؛
٤) مدارس الأونروا، وهي قليلة العدد.
المدراء في المدارس الخاصة -بالذات- هم المستهدفون؛ لذا يحاولون مواجهة الضغط الإسرائيلي عليهم. البعض أحيانا ينجح، والبعض أحيانا لا ينجح لأنه ليس هناك داعم أو مرجعية. وقد انطلق العام الدراسي الجديد (2024-2025) في ظل عراقيل إضافية أنتجتها الحرب الحالية وفي مقدمتها التعلّم عن بُعد بسبب صعوبة الوصول من جهة وتدهور الرواتب من جهة أخرى؛ 40% من معلمي القدس يضطرون للتنقل عبر الحواجز المحيطة بالمدينة للوصول إلى مدارسهم.
يقدر عدد الطلبة المقدسين، من رياض الأطفال حتى الثانوية العامة، نحو 100 ألف؛ نحو 45 ألف منهم يتعلمون في مدارس الأوقاف العامة التابعة للسلطة الفلسطينية.
ويعاني قطاع التعليم في مدينة القدس المحتلة من نقص عدد الغرف الصفية بسبب إهمال وزارة المعارف الإسرائيلية للمدارس التي تدرّس المنهاج الفلسطيني، كما تعرقل أي محاولة لبناء مدارس جديدة حيث ثمة حاجة إلى بناء 80 صفًا مدرسيًّا -بشكل سنوي- لكن الاحتلال يبني فقط 36 صفًا. كما يشترط نوعية ومنهج التعليم كي يوافق على بناء أي مدرسة أو صف.
كما يمضي العدو الإسرائيلي في إدراج مسار نظام التعليم الإسرائيلي “البجروت” داخل المدارس بدل نظام “التوجيهي” (الثانوية الفلسطينية)”. ويذكر أن مشكلة رواتب السلطة الفلسطينية وعدم انتظامها، دفع 150 معلمًا فلسطينيًّا إلى الاستقالة أو طلب إجازات غير مدفوعة والانتقال إلى مدارس المعارف الإسرائيلية التي تنتظم فيها الرواتب وتفوق قيمتها الشهرية ما يحصلون في المدارس الفلسطينية بكثير.
ما الذي تشمله الأسرلة؟ أي أثر لذلك على الجيل الجديد من الطلاب المقدسيين؟
الأسرلة أو التحريف مكرس في الكتب المدرسية التي يريدون فرضها على المدارس الفلسطينية في القدس، مثل كتب التربية الوطنية والتنشئة الاجتماعية، كتب التاريخ والجغرافيا، كتب التربية الإسلامية، وحتى كتب الرياضيات لم تسلم من التحريف، الخد يتعمد الإحتلال إدراج دروس تؤثر على عقول الطلاب المقدسيين لطمس ومحو ذاكرتهم وتراثهم وأمجاد أجدادهم.
على سبيل المثال، في كتاب الجغرافيا، ثمة دروس تتدعي بأن بلاد الشام تضم: إسرائيل، الأردن، سوريا، الأردن، لبنان، وفلسطين في النهاية. وفي كتاب التربية الوطنية، ثمة درس عن “التسامح” فيدرجون صورة لرجل مسلم يسلم على رجل يهودي. في كتاب الرياضيات مثلًا هناك مسائل مثل: علي لديه ٢٢ من شجر الزيتون، وموشيه لديه ١٨ من شجر الزيتون، أيهما لديه شجر أكثر؟
حربٌ إسرائيلية لطمس الهوية الفلسطينية
يهدف الإحتلال الإسرائيلي عبر بناء المدارس الحديثة الفارهة والكبيرة، وذات الإمكانيات الهائلة والمجانية إلى خطف التعليم من الفلسطينيين. -للأسف الشديد- في ظل غياب مظلة ومرجعية ترعى المدارس الفلسطينية في القدس، خصوصًا السلطة الفلسطينية في رام الله المتمثلة بوزارة التربية والتعليم الفلسطينية. تلقائيًّا يتوجه أغلب أولياء الأمور نحو تلك المدارس لأن المدارس الخاصة تتقاضى رسوم، وبطبيعة الحال تفضل العوائل المقدسية الفقيرة ما هو مجاني.
بالتالي، هذه المدارس الفلسطينية الخاصة في مدينة القدس تحتاج إلى رعاية وإلى دعم مالي حتى تبقى صامدة. ففي السنتين الأخيرتين، أغلق العديد من المدارس وكان آخرها “مدرسة أحباب الرحمن” العريقة، لأن مديرها رفض أن يفرض عليه ذلك المنهاج الإسرائيلي المحرف.
هذه الخطوة انتهاك صارخ للمادة 50 من اتفاقية جنيف الرابعة والمادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ اللتان تكفلان حق الشعوب تحت الاحتلال في الحصول على التعليم الذي يتماشى مع معتقداتهم وحماية ثقافتهم وتراثهم من التغيير أو التشويه.