البحرين وعام التّطبيع الرّابع

التطبيع

سياسة التّضييق على مناصري فلسطين

مرت أربع سنوات على توقيع البحرين لاتفاقيات التطبيع مع إسرائيل. خلال هذه السنوات، لم يهدأ الشّارع البحريني رغم كل الإجراءات الأمنية المتخذة ضده. الشعب، بكل أطيافه السياسية والأيديولوجية، رفض التطبيع ودعا إلى قطع العلاقات مع إسرائيل وطرد سفيرها من المنامة. هذه الدعوات المتواصلة أظهرت بشكل واضح الهوة العميقة بين الحُكم والشعب. وبينما يسير النظام البحريني في مسار معاكس لإرادة المواطنين، يبدو أنّ تطلعاته إلى التقارب مع إسرائيل تأتي على حساب السيادة الوطنية.

علاقة النّظام البحريني بإسرائيل

البحرين قدمت تنازلات كبيرة لصالح إسرائيل منذ توقيع اتفاقية التطبيع. فتح النظام أبواب البحرين أمام إسرائيل، ليس فقط للتعاون الاقتصادي، بل أيضًا للتعاون الأمني. هذه الشراكة الأمنية لم تكن لحماية البحرين، بل كانت لضمان اعتراض الطائرات المسيّرة المقاومة والمراقبة المستمرة لنشاط المعارضة. لقد أصبحت البحرين ساحة مفتوحة للتدخل الإسرائيلي، سواء كان ذلك في المجال الاقتصادي أو الأمني.

في الوقت الذي تدافع فيه قوى المقاومة في المنطقة عن حقوق الفلسطينيين وتسعى لإضعاف إسرائيل على المستويات الاقتصادية والعسكرية، نجد أنّ البحرين تتخذ موقفًا مغايرًا تمامًا. لم يكن التعاون مع إسرائيل عسكريًا أو أمنيًا فقط، بل شمل التجارة أيضًا.

الأرقام التجارية المتزايدة

كشفت البيانات لعام 2024 عن زيادة هائلة في حجم الواردات الإسرائيلية من البحرين. ارتفعت واردات إسرائيل من البحرين بنسبة تفوق 1161.8% بين يناير ويوليو 2024 مقارنة بنفس الفترة من العام السابق. وفي نفس الفترة، زادت الصادرات البحرينية لإسرائيل من 1.5 إلى 2.6 مليون دولار. وتضاعف حجم التبادل التجاري في يونيو 2024 ليصل إلى 16.8 مليون دولار. هذه الأرقام تعكس التعاون المتنامي بين البلدين، مما يزيد من استياء الشعب البحريني الذي يعتبر أنّ مثل هذه العلاقات تضر بمصالح الوطن وسيادته.

البحرين وخدمة الأجندة الإسرائيلية

لم يقتصر التعاون البحريني الإسرائيلي على الجانب الاقتصادي فقط. فقد كشف ناصر بن حمد آل خليفة، نجل حاكم البحرين، في أغسطس الماضي عن الدور الذي تلعبه بلاده في “عرقلة الهجوم الإيراني على إسرائيل”. هذه التصريحات تشير بوضوح إلى أنّ البحرين ليست فقط في حالة تطبيع مع إسرائيل، بل أصبحت تخدم الأجندة الإسرائيلية بشكل مباشر. الدور الذي تلعبه البحرين في هذا السياق لا يخدم مصالح البلاد بل يجعلها في مواجهة مباشرة مع دول إقليمية قوية مثل إيران، ويعزز من عزلة البحرين في محيطها العربي والإسلامي.

تضييق الخناق على مناصري فلسطين

أحداث غزة الأخيرة أظهرت الفجوة العميقة بين الموقف الشعبي البحريني وموقف النظام. في الوقت الذي تعاطف فيه الشعب البحريني مع الفلسطينيين، قمع النظام الأصوات المعارضة للتطبيع. قام النظام بسلسلة من الإجراءات الأمنية بحق المتظاهرين. استهدفت قوات الأمن المتظاهرين الذين خرجوا للدفاع عن القضية الفلسطينية وإظهار تضامنهم مع الشعب الفلسطيني. استخدمت السلطات الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي لتفريق المتظاهرين، ما أسفر عن إصابات بين المتظاهرين، بينهم المواطن حسن بدّاو الذي أصيب في رأسه.

لم تتوقف ممارسات القمع عند هذا الحد، بل امتدت لتشمل اعتقال العديد من علماء الدين والخطباء، كما اعتقلت السلطات شخصيات دينية مثل الشيخ عيسى القفاص والرادود صالح سهوان. هذه الإجراءات تؤكد أن النظام البحريني يعزز قبضته الأمنية على مناصري فلسطين في الداخل.

الرهان على عودة ترامب

النظام البحريني يراهن بشكل واضح على عودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى السلطة. خلال فترة رئاسته السابقة… قدم ترامب دعماً كبيراً للبحرين في مواجهتها مع المعارضة الداخلية، خاصة وأن المعارضة البحرينية تتألف بشكل رئيسي من الشيعة. سمح ترامب للنظام بتشديد قبضته الأمنية على المعارضة، وتوفير غطاء سياسي لإجراءات قمعية بحق النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان.

انتهاكات حقوق الإنسان

النظام البحريني استغل الفترة الأخيرة في تصعيد انتهاكاته لحقوق الإنسان، خاصة تجاه المعتقلين السياسيين. قطعت السلطات الكهرباء والمياه عن سجناء الرأي في سجن جو المركزي في أغسطس… كما تتعمد السلطات تقليل وجبات الطعام التي تقدم لهم ومنعها أحيانًا، وفقاً لتقارير منظمات حقوقية. هذه الانتهاكات تعكس توجهات النظام البحريني نحو تعزيز قبضته الأمنية وتجاهله الكامل لحقوق الإنسان.

النظام لا يتوقف عند هذا الحد، فقد استأنف حملات الاستدعاءات والاعتقالات بحق الشخصيات الدينية والناشطين الذين يشاركون في فعاليات دعم القضية الفلسطينية. هذه الحملات تشمل تهديدات مباشرة بالسجن لمن يقومون برسم العلم الإسرائيلي على الشوارع العامة كوسيلة للتعبير عن رفضهم للتطبيع.

البحرين بين تطلعات الحكم وإرادة الشعب

الفجوة بين النظام البحريني والشعب أصبحت أعمق مع استمرار التطبيع والقمع المتزايد لمناصري فلسطين. هذا الاختلاف الجوهري بين تطلعات العائلة الحاكمة وإرادة الشعب يظهر بوضوح من خلال المواقف المتباينة تجاه حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على غزة. في الوقت الذي يسعى فيه الشعب البحريني لدعم الفلسطينيين، يقف النظام البحريني في صف الاحتلال، حتى لو كان ذلك على حساب سيادة البلاد.

إن السياسات الحالية للنظام البحريني لن تحقق الأمان أو الاستقرار على المدى البعيد. فالتطبيع لم يجلب إلا العزلة الشعبية، والتعاون الأمني مع إسرائيل لم يوفر إلا المزيد من الانتهاكات لحقوق المواطنين. بدلاً من ذلك، ينبغي على النظام أن يعيد النظر في سياساته وأن يركز على مصالح البحرين الحقيقية… وذلك بما يضمن حماية سيادتها وتحقيق تطلعات شعبها.

واتس اب
فیس بوک
تیلجرام
ایکس
مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اخر أخبـــار
سياحة وتجوال