طوال أكثر من 5 عقود من الصراع مع الكيان المؤقت، مثلت سوريا الحليف الاستراتيجي لجميع حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية في غرب آسيا. لذا، لا شك أن تثير الأحداث السورية القلق بشأن تعطل إمداد حزب الله فارضًا تحديات حتمية؛ لكن حزب الله أثبت مرارًا القدرة على التكيف وتحويل التحديات إلى فرص، بالتوازي مع تطوير الانتاج المحلي وتوسيع التحالفات الإقليمية.
خلال الحرب على لبنان، أحكمت إسرائيل حصارها العسكري على حزب الله، فقد قطعت طرق إمداده عبر فرض رقابة على المنافذ الجوية والبرية. وضمن تطبيق القرار 1701، خضعت السفن القادمة إلى المرافئ البحرية لرقابة دولية مشددة، سواء من قوات اليونيفيل أم من البحرية الإسرائيلية. ولا يقف الحصار الإسرائيلي عند حدود لبنان، بل تتبُّع إسرائيل مسار أسلحة حزب الله.
منذ بدء جبهة إسناد غزّة على خلفية حرب الإبادة الجماعية المستمرة في القطاع، شن حزب الله مئات الهجمات لاختبار الثغرات في الدفاعات الجوية الإسرائيلية، كاشفًا النقاب عن أسلحة جديدة. متحدث باسم الحكومة الإسرائيلية صرح، في يوليو، إن حزب الله “أطلق 6800 صاروخ منذ بدء التصعيد عبر الحدود”.
وبحسب تقرير لشبكة “سي إن إن” الأميركية، يمتلك حزب الله ترسانة أسلحة أكثر تطورًا من باقي فصائل المقاومة، وأشارت إلى أن الحزب يمتلك من الصواريخ والقذائف ما يصل عدده إلى ما بين 120و200 ألفًا حيث استمر في تخزين الصواريخ والقذائف منذ حرب 2006. بحسب الباحثة في مركز “كونترول ريسكس”، دينا عرقجي، كان لدى الحزب عام 2006، قرابة “15 ألف صاروخ”، وهو عدد “تضاعف نحو 10 مرات” على الأقل وفق التقديرات، وفق ما تنقل عنها فرانس برس.
يمتلك حزب الله مخزون عسكري كبير مكّنه من خوض حرب ضروس وقاسية طوال 66 يومًا متتاليًّا. خلال معركة “أولي البأس” الأخيرة، زعم العدو الإسرائيلي بأنه قضى على الآلاف من منصاتِ إطلاقِ الصواريخ التابعة لحزبِ الله، وأضعف قدراتِه العسكرية. مع ذلك، نفذت المقاومة الإسلامية عشرات العمليات الهجومية الصاروخية وبالطائرات المسيرة الانقضاضية، بالإضافة الى احباط التغول البري العسكرية الإسرائيلية.
بناءً عليه، لدى حزب الله على المدى القصير عتادًا كافيًّا لمواجهة أي عدوان إسرائيلي، خاصةً أنه اعتمد على وتيرة قتال تناسبية تأخذ بعين الاعتبار صعوبة توفير الدعم اللوجستي. أمّا على صعيد المدى الزمني الأبعد، فيبدو بأن حزب الله سيُعطي الأولوية لتصنيع الأسلحة والمعدات محليًّا. وقد يلجأ حزب الله إلى نمط الإمداد اليمني عبر البحر الأحمر، والتي أثبت نجاحها رغم الحصار أو ذلك الذي تتبعه المقاومة الفلسطينية في غزة والضفّة.
خلال خطاب له في ١٦ فبراير ٢٠٢٢، كشف الشهيد السيد حسن نصر الله (رض)، الأمين العام السابق لحزب الله، عن أن الحزب بدأ منذ مدة طويلة تصنيع الطائرات المسيرة في والصواريخ الدقيقة داخل لبنان. الشهيد السيد نصر الله أضاف: “العدو يعرف أنه يصل إلى المقاومة سلاح نوعي من إيران، لذلك يحاول إيقاف ذلك من خلال القصف في سوريا”.
إذًا تحسبًا لهذه الظروف التي تعيق الإمداد التقليدي، طوّر مهندسو المقاومة -خلال السنوات الماضية- قدراتهم المحلية مثل الصواريخ القصيرة والمتوسطة والباليستية، قاذفات، راجمات، مسّيرات انقضاضية، وتقنيات عسكرية مختلفة.
ويمكن للمقاومة تجميع كافة أنواع القذائف والصواريخ وتطويرها، فضلًا عن تطوير العبوات الناسفة وأنواع أخرى من الأسلحة بما فيها الزوارق الحربية والألغام البحرية. بهذا تقل التكلفة ويمكن للمقاومة ضمان النتيجة. بالتوازي، يعمل حزب الله على تكثيف تدريب وإعداد كادره القتالي والتقني والتخطيطي في مجالات الهندسة والإلكترونيات والذكاء الاصطناعي.
في مقال نشر في 3 نوفمبر 2024، كشفت التايمز أن بريطانيين يقاتلون إلى جانب الجيش الإسرائيلي في حربه ضد حزب الله. جندي احتياط مظلي (بريطاني الجنسية) سجل مذكراته خلال 8 أيام عاشها في في لبنان مشيرًا إلى إن معظم مقاتلي حزب الله الذين واجههم خضعوا للتدريب في إيران، واكتسبوا خبرة قتالية في سوريا. وقد وصفهم بأنهم “الأفضل على الإطلاق، وصفوة الصفوة”. الجندي البريطاني كان من ضمن لواءين حاولا غزو البلدات اللبنانية القريبة من الحدود في 20 أكتوبر. يضم اللواء الواحد ما يصل إلى ألفي جندي. وروى أنه بينما كان يتأهب لدخول أحد المباني، اكتشفوا أنه مفخخ بالمتفجرات.
حزب الله تأسس في مطلع الثمانينيات من في خضم الحرب الأهلية اللبنانية التي دامت 15 عامًا. وقد عزز مكانته بمناهضته للنفوذ الامبريالي في غرب آسيا حتى أجبر الجيش الإسرائيلي على الانسحاب من الجنوب اللبناني في مايو 2000، وإلحاقه تهديدًا وجوديًّا به خلال حربي يوليو 2006 وسبتمبر 2024.