تزامنًا مع تولي ترامب رئاسة البيت الأبيض مجددًا، يترقب لبنان في 9 يناير المقبل انتخابًا لرئيس للجمهورية مع سعي واضح تبديه واشنطن لإيصال حليفها الاسترايجي قائد الجيش جوزف عون إلى المنصب.
وتداولت تقارير سعي زعيم الغالبية الدرزية وليد جنبلاط الحثيث إلى إقناع نبيه بري، رئيس مجلس النواب بانتخاب عون إذ لا يزال معارضًا لانتخابه. بعد اجتماعه بإيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي، وليد جنبلاط أبلغ بري أن أبرز الدول المعنيّة بـ لبنان (الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وقطر) تضغط لانتخاب عون.
في الغضون، ترفض السعودية أي رئيس سيسمح للبنان «التهجم على دول الخليج» كما تؤكد التقارير الإعلامية. أما قطر، فقد أوفدت أكثر من مسؤول إلى بيروت للضغط من أجل انتخاب اللواء الياس البيسري. خلال اللقاء الذي عُقد أخيرًا بين عون ومحمد بن عبد العزيز بن صالح الخليفي، وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية، ركز الخليفي على «حاجات الجيش المالية واللوجستية خصوصًا بعد توسّع مهامه على كل الحدود إثر التطورات الأخيرة في سوريا».
ربطًا بذلك، تتركز الأنظار على موقف النوّاب السنّة الذين يتحضّرون لعقد لقاء جامع تحت عنوان «رفض تأييد أي رئيس ينتمي إلى طرف واحد».
وكانَ هيرفي ماغرو، السفير الفرنسي، قد التقى بـ جبران باسيل، رئيس التيار الوطني الحر، الذي أكّد تأييد «انتخاب مرشح يحظى بإجماع داخلي ويتوافق مع المواصفات الدولية».
بلا شك، يحظى قائد الجيش بدعم استثنائي لسببين، الأول أنه نجح في قيادة المؤسسة العسكرية، والثاني أنّه قادر على لعب دور أكبر في الرئاسة. منذ تولّيه منصبه في مارس 2017، لم تكن علاقته مع وزراء الدّفاع على ما يرام مع أي منهم. في يونيو 2018، عقد صفقة مع الأميركيين تسلّم بموجبها لبنانيين كانوا يقاتلون في صفوف تنظيم «داعش»، اعتقلتهم القوات الأميركية شرق سوريا. الإجراءات تجاهلت أبسط القواعد القانونية حيث لم يُبلّغ الأمن العام بأسمائهم، ولم يجر إعلام النائب العام التمييزي ومفوض الحكومة في المحكمة العسكرية بالأمر، كما لم تعلم عائلتهم بمصيرهم لأكثر من أربعين يومًا.
ثم توالت تجاوزات عون الذي فتح المزيد من قنوات التواصل مع الجانب الأميركي، والتزم برنامجًا يعتمد فقط على برامج تسلح أميركية ورفض أي عرض تسليحي آخر ليس من الروس والإيرانيين فحسب بل حتى من الفرنسيين.
وعندما سلّمته واشنطن عددًا من المسيّرات، خضع لشروط غير سيادية منها أن تكون تحت إشراف قوة أميركية خاصة تمركزت في مطار حامات، الذي تحول مهبطًا للطائرات الأميركية. كما سُمح لعدد من المستشارين الأميركيين بالإقامة في مقر وزارة الدفاع بصورة شبه دائمة.
بعد اندلاع أحداث أكتوبر 2019، لم يقف الجيش بوجه أنصار جعجع الذي اعتدوا على المحتجين في الطيونة. وأعدّت أجهزة تديرها واشنطن ملفات عن عدد من العسكريين والضباط ادعت إنهم من حزب الله ويحاولون التغلغل داخل الجيش.
وقد وصل بهم الأمر إلى استثناء عدد كبير منهم من المنحة المالية التي قدّمتها للجيش اللبناني بحجة أنهم محسوبون على حزب الله. الفضيحة الأكبر برزت عندما وافق مصرف لبنان على فتح حساب خاص لقيادة الجيش بالدولار الأميركي ليتبين لاحقاً تلقّيه عشرات ملايين الدولارات من الولايات المتحدة، قطر، وأطراف أخرى. وقد تولّى قائد الجيش دون الحصول على موافقة مجلس الوزراء لا بل طلب إسكات المحتجّين حيث أبلغت السفيرة السابقة دوروثي شيا وزير دفاع أن: «هذه أموال موضوعة بتصرف قائد الجيش حصرًا، وهو حر في التصرف بها».
ثمة أمور كثيرة المقال لا يتسع للتطرق إليها لكن السؤال الذي يفرض نفسه على رعاة الديمقراطية في الغرب: أي مرشح تريدونه رئيسًا هو يخالف السيادة الوطنية؟ وهو لا يأبه لمبدأ «فصل السلطات»؟ وهو الذي حوّل مؤسسة رسميّة إلى منظمة غير حكومية تتلقى تمويلها من الخارج عن طريق البريد المالي بعد تزويد المانح بـ داتا العسكريين؟ أي مرشح تريدونه رئيسًا لن يكون قادرًا على حماية لبنان من التهديد الإسرائيلي؟ كيف سيقود عون الذي يتصرف على أنه فوق القانون دولةً برمتها؟ وإلى أي مدى ستتيع الوصاية الأميركية التي تمسك بكل مفاصل الجيش فيما لا حديث لأدوات السفارة إلا عن الاحتلال الإيراني؟
عون ومن يعمل على تنفيذ السياسات الأميركية، يتعين عليهم التنبه إلى أن واشنطن لا يهمها سوى حفظ أمن كيان العدو الإسرائيلي. ستسيبيعكم كما باعت كل عملائه، فالأجدى للبنانيين التعقل خاصة أن الاوضاع لا تحتمل أي مكابرة تحت أي ذريعة.