في سياق تقييمه للتحديات الأمنية والسياسية ما بعد حرب لبنان وسقوط نظام بشار الأسد، قال نتنياهو: «أرسل أولًا، وقبل كل شيء، يد السلام إلى إخواننا الدروز في سوريا، والذين هم إخوة لإخواننا الدروز الإسرائيليين». جدعون ساعر، وزير خارجية العدو، بالتوازي، صرّح: «في منطقة سنكون فيها دائمًا أقليّة، يجب أن نتحالف مع الأقليات الأخرى مع الكرد والأقليات الإقليمية الأخرى». ساعر قال إن الأكراد «أمّة عظيمة لكنها لا تتمتع باستقلال سياسي.»
وخلال لقائه بـ ينس بلوتنر، المستشار الخاص لشؤون السياسة الخارجية والأمنية لدى المستشار الألماني، في 18 ديسمبر، قال ساعر: «أكدت أن المجتمع الدولي له دور في حماية الأقليات في سوريا، بما في ذلك الأقلية الكردية، التي تتعرض للهجمات والتهديد هذه الأيام.»
السعي الإسرائيلي الحثيث في التحالف مع الأقليات ليس وليد اللحظة. في الخمسينيات، بعد إحتلال فلسطين التاريخيّة، بناءً على نصيحة المنظّر الصهيوني إلياهو ساسون صاغ ديفيد بن غوريون عقيدة Torat haperipheria خشية تعاظم دور القومية العربية بقيادة الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر. لذا تحالف مع تركيا؛ النظام البهلوي في إيران؛ الأقليات المسيحية في أثيوبيا وجنوبي السودان؛ الدروز في سوريا ولبنان؛ الكرد في العراق؛ والمسيحيين الموارنة في لبنان.
لطالما شجع الصهاينة إقامة دولة درزية تجمع يهود فلسطين وسوريا ولبنان؛ بالتوزازي سهلوا انخراط دروز فلسطين في الجيش. وحين حاول الأكراد في العراق الانفصال، أرسل الصهاينة بالتعاون مع النظام البهلوي فِرَقًا لدعم هؤلاء.
وقد التقى الزعيم الكردي، الملا مصطفى البارزاني، مسؤولين إسرائيليين في الأراضي المحتلة، في 1968 و1973.
في 2003، بعد سقوط نظام صدام حسين ومنح الأكراد حكمًا ذاتيًّا ضمن الدولة العراقية، توسعت العلاقات الكردية-الإسرائيلية.
ليس فقط الإحتلال الإسرائيلي، فلتركيا أطماع نفوذ في سوريا، وهي تسعى لتقوية علاقاتها بـ نظام أحمد الشرع (الجولاني)، لكن المعارضة التركية تحذر من أن سياسة إردوغان منذ تدخله في سوريا في 2011، ستدفع «إسرائيل» أكثر نحو الحدود التركية.
في الغضون، أيدت تيارات سياسية في إقليم كردستان العراق مبادرة رئيس «حزب الحركة القومية» التركي، دولت باهتشلي، بشأن إطلاق سراح زعيم «حزب العمال الكردستاني» عبدالله أوجلان المسجون انفراديًّا في سجن آمرلي منذ 1999). يذكر بأن أوجلان كان قد غادر سوريا في 9 أكتوبر 1998 بعد تهديدات تركية بعمل عسكري ضد دمشق. فتوجّه إلى اليونان ثم روسيا، فإيطاليا ومنها إلى السفارة اليونانية في نيروبي.
باهتشلي كان قد أعلن استعداده للإفراج عن أوجلان شرط أن يقوم الأخير بحلّ حزبه. ويتوقع أنّ المبادرة ستعزز الواقع الاقتصادي في إقليم كردستان؛ قد يتجاوز حجم التبادل التجاري بين الإقليم وتركيا الـ 20 مليار دولار سنويَّا، وفق الخبراء.
بعد 25 عامًا من اختطاف المخابرات الأميركية والإسرائيلية أوجلان من نيروبي في 14 فبراير 1999، وتسليمه إلى تركيا، جاءت أحداث سوريا لتزيد من حظوظه في زعامة الأكراد. خلال لقائه اثنين من قيادات «حزب الديمقراطية والمساواة الشعبية» في السجن (منذ 5 سنوات، كان ممنوعًا من إجراء أي لقاء حتى مع محاميه)، قال أوجلان أنّه على استعداد الحوار بغية «التوصّل إلى حل سياسي وسلمي».
تعكس مبادرة باهتشلي الخوف من أن تتغير خرائط المنطقة بعد التغول الإسرائيلي. بحسب أوجلان: «لقد كشفت الأحداث في غزة وسوريا عن عدم حل المشكلات التي تفاقمت بسبب التدخلات الأجنبية.»
في الغضون، تسعى تركيا للتعاون مع أوجلان لإزالة كوادر «حزب العمال الكردستاني» من سوريا وحلّه في قنديل. بذلك، يتم تصفية «قوات سوريا الديمقراطية» وعرقلة حالة الحكم الذاتي، بعد رفضها ما اقترحه مظلوم عبدي، القائد العام لـ «قوات سوريا الديمقراطية» بشأن عملية «فجر الحرّية» التي استهدفت كوباني شرق الفرات بعد تل رفعت ومنبج. عبدي اقترح أن تكون كوباني منزوعة السلاح، مبديًا قبوله بترحيل المقاتلين الأجانب، بما في ذلك كوادر «حزب العمال الكردستاني»، وتأكيده أنه مع وحدة سوريا واستعداده أن تصبح «قوات سوريا الديمقراطية» جزءً من الجيش السوري.
في 2015، تزامن بروز «قوات سوريا الديمقراطية» كحركة نشطة وفاعلة بالتوازي مع تزايد أعداد القوات الأميركية في سوريا بحجّة مواجهة «داعش» بحيث باتت في ذات أهمية القواعد الأميركية، إذ تستهدف منع وجود أيّ منافس في المنطقة فضلًا عن ضمان هيمنة الكيان الإسرائيلي في محيطه الإقليمي.
يذكر بأن تركيا تعوّل على أن نظام أحمد الشرع (الجولاني) لن يؤيد أيّ حلّ يناقض مصالحها الاستراتيجية حيث صرّح، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده مع وزير خارجيتها، هاكان فيدان، بأنّه يفضل سوريا من دون «قوات سوريا الديمقراطية»، بينما الجانب الأميركي يؤيد دمجها في النظام الجديد.
وكان أحمد الشرع (الجولاني) قد صرّح بأنّ الأكراد جزء لا يتجزأ من سوريا، مشيرًا إلى أنه لن يسمح بأن تصبح سوريا نقطةً عمل لـ «حزب العمال الكردستاني». لكن واشنطن مدّدت العقوبات على سوريا حتى 2029 بالتزامن مع رفع عديد الجنود الأميركيين من 900 إلى 2000 جندي، بما يؤشر أنّها ستشكل سوريا وفق مصالحها. لذا من مصلحتها توحيد الأحزاب الكردية.
حتى تنصيب ترامب في الـ 20 من الشهر الجاري، سيتضح مسار سياسته التي ستتطلب منه الضغط على كل الأطراف الإقليمية لضمان المصالح الإسرائيلية. ويتوقع البعض أن يتحاور مباشرةً مع أنقرة بعد أن أصبحت اللاعب الأساسي على الساحة السورية، وبعد أن أصبح الأكراد قوة عسكرية لا يستهان بها في المنطقة.
يعتقد المراقبوان بأن تركيا بادرت إلى مصالحة أوجلان -قبل أحداث سوريا بشهرين- لأنها كانت على علم مسبق بمآلات الأحداث بل إنها ساهمت فيها بشكل مباشر؛ لذلك هي بحاجة إلى احتواء «حزب العمال الكردستاني»، الذي تترقب قياداته الموجودة شمال العراق مسار ترامب، وذلك قبل أن تستجيب لمبادرة أوجلان.
في 2012، أمر أحمد أوغلو، وزير الخارجية التركي، الأكراد بالتمرد على الأسد مقابل الاعتراف لهم بحكم ذاتي أو فدرالي في سوريا الجديدة. لكن أنقرة قد تتراجع في ظل المعطيات الحالية، ولن تسمح لأكراد سوريا أن يعرقلوا مخططاتها. هذا، بالتالي، قد يدفعها إلى الموافقة على مطلب الأكراد بالإدارة الذاتية شرق الفرات.
في هذا السياق، إن فدرلة دول المنطقة من أهم العوامل اللازمة لضمان المصالح الأميركية-الإسرائيلية حيث سيفرض الأكراد أنفسهم كلاعب أساس يناقس القوى الإقليمية الكبرى، خصوصًا تركيا وإيران.
التركي الذي لن يقبل بأيّ دور كرديّ قويّ على حدوده فيما الأميركي الذي يرى في سوريا مرتكزًا لضمان الأمن الإسرائيلي وقطع طرق الإمداد عن حزب الله، لذا ستكون واشنطن، في المرحلة المقبلة، محكومة بمجاراة أنقرة ومحاولة دمج الأكراد ضمن هيكلية الدولة السورية الخاضعة لتوجّهاتها دون أن يعني هذا الواقع وأد الطموح الكردي لما له من أهمية قد تطرأ مستقبلًا.