التجربة التاريخية تثبت تأثير الموقف السوري على دائرة التقدير والقرار في كيان الاحتلال نظرًا إلى خصوصية الموقع الجيوستراتيجي لسوريا. بعد احتلال جيش العدو الإسرائيلي أراضي سورية انسحب منها بعد 1974، واحتلاله لقمة جبل الشيخ الذي ينتهي سفحه داخل الحدود اللبنانية، ما تبعات ذلك على لبنان خاصةً في ضوء فشل إسرائيل في تحقق هدفها الاستراتيجية أي القضاء على المقاومة؟
بلا شك، اتفاق وقف النار أثر سلبيًّا على الداخل الإسرائيلي وأحرج نتنياهو حيث دفعه إلى الترديد مرارًا أن “اتفاق وقف النار لا يعني وقف الحرب”. بالتزامن، لم تُخفِ قوى الانقلاب في سوريا بقيادة الجولاني عداءها لحزب الله فيما نتجنّب التصريح عن موقفها من العدوان الإسرائيلي الذي دمر مقدرات الدولة السورية الدفاعية.
يعتقد بعض المراقبين بأن هذا الموقف سيعزز الفرص الإسرائيلية لتقويض لبنان لا سيما بعد إغلاق طرق إمداد حزب الله. وليس سرّاً أن جزءً كبيرًا من تلسيح المقاومة الفلسطينيّة كان يتمّ عبر سوريا، وهو ما سيتراجع أيضًا. لكن ثمة العديد من المتغيّرات الدولية والإقليمية التي قد تؤخّر أو تحول دون ذلك لا سيما في ضوء تأكيد نتنياهو أن من أولويّات كيانه -بعد حرب لبنان- مواجهة البرنامج النووي الإيراني وإعادة ترميم جيشه وتسليحه.
يذكر بأن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب كان له دورٌ في اتفاق وقف الحرب، وبالتالي، فإنّ أيّ قرار إسرائيلي في استئنافها -في المدى المنظور- سيكون أميركيًّا محضًا.
صحيح أن العدوّ حقق إنجازات -ميدانية وتكتيكية- وظفها قادته أمام الرأي العام الصهيوني، لكن حزب الله ورغم كل ما تعرض له من امتحانات- لم يهزم بل لا يزال يحتفظ بقدرات كبيرة تسمح له بتهديد الوسط الإسرائيلي.
من الواضح بأن العدوّ سيواصل منع حزب الله من إعادة بناء وتطوير قدراته دون حاجة للتدخل العسكري المباشر في ظل وجود عراقيل جدية غير مسبوقة إزاء التحوّلات السورية. يُضاف إلى ذلك تقدير العدوّ أن أولويات حزب الله ستتمحور حول إعادة الإعمار في هذه المرحلة. بكل الأحوال، يحتاج حزب الله إلى تقييم تجربته الذاتية في أعقاب 7 أكتوبر 2023 وكيف يمكن له التكيّف وتحقيق اكتفاء ذاتي عسكري ودفاعي في ظلّ التحولات الجارية في ميزان القوى الإقليمي.