حكومة الجولاني “المعروف حاليًّا بـ أحمد الشرع” التي كانت تدير شؤون إدلب، وهي منطقة سيطرة “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة – الفرع السابق لتنظيم القاعدة)، تسلمت السلطة من حكومة رئيس الوزراء السوري السابق محمد غازي الجلالي. الحكومة يترأسها محمد البشير وتتألف من ١٠ وزارات.
فور تسلمها السلطة، أعلنت الحكومة الجديدة أنها ستدير شؤون البلاد حتى مطلع آذار دون توضيح إذا ما سيتم تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254. القرار الأممي ينص على الاتفاق على دستور جديد للبلاد ثم إجراء انتخابات وتشكيل حكومة جديدة (علمًا أن القرار كان يضع نظام الرئيس السابق بشار الأسد شريكاً فيه).
بعد ظهور البشير خلال لقاء تلفزيوني وخلفه راية هيئة تحرير الشام، تعرضت الحكومة لانتقادات حادة معتبرةً ذلك مؤشرًا باستفراد هيئة تحرير الشام بالحكم.
ناشطون وثّقوا عمليات اغتيال وقتل قيل إن من نفذها مجهولون ضد أشخاص ادُعي أنهم تورطوا في “حوادث جرمية” خلال السنوات الماضية. كما جرى تناقل أخبار بشأن اغتيالات بعض العلماء والنخب من بينهم عالم الكيمياء العضوية الدكتور حمدي إسماعيل والشيخ توفيق البوطي رئيس اتحاد علماء بلاد الشام فيما مصير معظم قادة النظام السابق مجهول.
بعد إعلان الجولاني (أحمد الشرع) البدء بملاحقة شخصيات مرتبطة بالنظام السابق وعرض مكافآت مالية لمن يدلي بمعلومات عنهم، تناقل ناشطون لائحة تضم 169 اسمًا بمن فيهم الرئيس السابق بشار الأسد وشقيقه ماهر الأسد فضلًا عن وزير دفاعه وضباط وقادة فصائل، الخ.
واشنطن، التي أعلن مسؤولوها عن إمكانية النظر في رفع هيئة تحرير الشام من قائمة العقوبات، فرضت عقوبات هلى والد أسماء زوجة بشار الأسد ومسؤولين سابقين في المخابرات الجوية للنظام السابق.
حكومة الجولاني أصدرت توجيهات عاجلة للسفارات السورية ببدء منح الجوازات السورية للسوريين بشكل مجاني لمدة ستة أشهر. بالتزامن، أعلنت دول أوروبية عدة وقف منح اللجوء للسوريين الذين تقدموا بطلبات في الوقت الحالي، وسط تخوف الآلاف ممن لجأوا إليها خلال العقد الماضي من إعادتهم قسريًّا للتخلص من عبء اللاجئين.
في غضون ذلك، أعلنت حكومة الجولاني العمل على تهيئة المطارات للعودة إلى العمل في الـ18 من الشهر الحالي فضلًا عن تنظيم عمليات عبور الحدود من المنافذ الرسمية مع لبنان والأردن في أسرع وقت ممكن.
أدى إخلاء عناصر الأجهزة الأمنية السورية للمعابر الرسمية مع شمال لبنان إلى نهبها وتدميرها. وقد تم سرقة سيارات محمّلة بالأسلحة حيث نشطت تجارة السلاح بعدما وصل سعر الكلاشنيكوف إلى 50 دولارًا فقط. هذه الفوضى العارمة والخوف من عمليات ثأر دفعا بعدد كبير من العائلات السورية (العلوية) إلى النزوح من حمص باتجاه الساحل العكاري أو الى جبل محسن في طرابلس. كما نزحت أعداد كبيرة من عائلات القصير (الشيعة) إلى البقاع الشمالي.
مشروع نتنياهو للهيمنة على المنطقة يتطلب منحى جديدًا لحفظ “أمنه القومي”
إصراره نتانياهو على اجتياح رفح رغم رفض بايدن بالإضافة إلى إعلانه أن قرار اغتيال السيد حسن نصرالله قد اتخذه بناءً على أن الحرب الوجودية التي يخوضها تستوجب منه تخطي الأطر المسموح بها قد بينت تحوّلاً في منحى علاقة تل أبيب بواشنطن.
بلا شك، واشنطن لا تعارض سلوك نتنياهو بالكامل حيث اتخذت خلال العقد الماضي خدمات جمّة لصالح كيان الاحتلال منها: الانسحاب من الاتفاق النووي؛ دعم الحرب على اليمن؛ دعم الخلايا الإرهابية في سوريا والعراق؛ اغتيال الجنرال قاسم سليماني؛ الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان؛ المصادقة بالسيادة الإسرائيلية على الجولان؛ الخ. وقبيل “عملية طوفان الأقصى”، سعى الكيان الإسرائيلي جاهدًا إلى تعزيز علاقاته مع أنظمة الخليج.
وقد عملت الإدارات الأميركية المتعاقبة على ضمان التفوّق العسكري للكيان بالإضافة إلى تكثيف وجود قواعدها في المنطقة بحجة حفظ الأمن الإقليمي بمواجهة قوى المقاومة. بيد أن سقوط نظرية الردع الإسرائيلي ازاء تصاعد قوة قوى محور المقاومة قد دفع نتنياهو إلى إعادة صياغة العلاقة الإسرائيلية الأمريكية بحجة “حفظ الأمن القومي” وفق استراتيجية متفلتة من أي ضوابط أو قيود تقررها واشنطن.
تجلى ذلك في عرقلة أي اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى مع المقاومة الفلسطينية، وإصرار نتنياهو على الحسم العسكري في غزة وفرض سيطرة أمنية على القطاع حتى رفح. بالتوازي يصر نتنياهو على إخراج حزب الله من جنوب الليطاني والضغط لإضعاف دوره في السياسية الداخلية اللبنانية لا سيما عبر تسهيل وصول رئيس متواطئ يوقع اتفاق “سلام” يغير وجه الشرق الأوسط كما ترتضيه “إسرائيل” ويخلو من أي تهديد حقيقي لمصالحه ووجوده.
لذا يفسر استخدام كيان الإحتلال المؤقت للقوة المفرطة في مواجهة قوى المقاومة رفضه التام إلى أي حلول وسطية تعيد الحال إلى ما قبل زمان “طوفان الأقصى”. يعلم نتنياهو علم اليقين عجز كيانه عن: القضاء على المقاومة في غزة ولبنان؛ فك الحصار اليمني المفروض على البحر الأحمر؛ تعطيل القوة الصاروخية والنووية الإيرانية، الخ، وبالتالي حجته القصوى للدعم الأميركي ومعه الدعم العربي. بالتالي، مشروع نتنياهو للهيمنة الإسرائيلية على المنطقة يتطلب مسار جديدًا لحفظ “أمنه القومي” المزعوم.