كأحجار الدومينو، سقطت المدن السورية حتى شهدت البلدات اللبنانية في البقاع الشمالي الأقرب إلى الحدود مع سوريا. آلاف من العائلات النازحة تدفّقت إلى قرى البقاع الشمالي دفعة واحدة خوفًا من تكرار تجربة الأعوام الماضية مع الإرهابيين.
تشير تقديرات خلية الأزمات اللبنانية إلى نزوح ما يقرب من 35 ألف عائلة إلى محافظة بعلبك ــ الهرمل، فيما حركة النزوح لم يتوقف. وقد اقتصرت حركة النزوح على ٥ معابر في حوش السيد علي و٤ في القصير وآخر في مطربا. فيما أُقفل معبرا جوسيه – القاع ومطربا الشرعيان من محافظتي حمص وحماة نحو قرى اللبوة والبزالية والنبي عثمان في البقاع الشمالي.
منطقة الهرمل وحدها كانت قد استوعبت ما يقرب من 80% من أعداد النازحين. ولم يكن هناك طاقة استيعابية لهذا الكم بسبب العدد الهائل وعدم وجود قرار رسمي بتأمين أماكن للإيواء حيث فتحت البلديات الحسينيات والمساجد والكنائس والمراكز الثقافية والترفيهية. فيما بقيت أعداد كبيرة من النازحين على الطرقات.
لم يقتصر النزوح على العائلات السورية فقط، وإنما أيضًا عائلات لبنانية أيضاً تسكن في قرى لبنانية داخل الأراضي السورية. وقد لجأ هؤلاء إما إلى بيوت يملكونها في بعض القرى اللبنانية في البقاع الشمالي أو إلى بيوت أقاربهم من العائلات اللبنانية التي عادت للتو من حمص بعد نزوح دام شهرين بسبب العدوان الإسرائيلي.
تسبب العدوان الإسرائيلي على لبنان بلجوء نحو 21% من النازحين إلى 1,016 مركز إيواء استحدثتها الحكومة اللبنانية (معظمها مباني تعليمية غير صالحة للسكن). وقد بلغ 90% منها إلى قدرتها الاستيعابية القصوى ما يرتّب مخاطر صحيّةً جديّة يصعب ضبطها في حال بقي الحكومة اللبنانية قاصرة عن احتوائها.
رغم توقّعها تهجير 1.5 مليون مواطن، فشلت الحكومة اللبناتية في الاستجابة للأزمة حيث لم تؤمن عدداً كافياً من مراكز الإيواء ولم تجهّزها بخدمات أساسية علما أن نسبة ضئيلة من النازحين لم يلجأوا إليها خوفًا من تبعات الاكتظاظ. فقد فرضت العدوان الإسرائيلي على لبنان تبدلاً في كامل مشهد العاصمة بيروت، لا سيّما وسطها التجاريّ، بعدما قصدها آلاف النازحين الذين كانوا أمام خيارين: إما إخلاء منازلهم وإما قتلهم.
على سبيل المثال، في مركز العازاريّة في محافظة بيروت، كان عدد النازحين بنحو ٣٠٠٠ نازح. يعود الاكتظاظ في بيروت إلى موجات التهجير المتعددة التي واجهها النازحين منذ أكتوبر ٢٠٢٣. بغضّ النظر عن حجم الغرفة وعدد افراد العائلة (قد يتراوح من 4 إلى 15 شخصا)، أعطيت كل عائلة نازحة غرفةً واحدةً ما يرتّب مخاطر صحيّة، اذ يحفز الاكتظاظ -لا سيما خلال فصل الخريف- تفشياً واسعاً للأمراض التنفسيّة الجرثوميّة خصوصاً بين الأطفال.
علمًا انه كان امام الحكومة سنة كاملة لتفاقم أزمة النزوح، مراكز الايواء هذه تفتقد إلى العدد الكافي من المراحيض وإمدادت المياه الساخنة التي تحددها منظمات الاغاثة الدولية. تسبب ذلك بتفشي الجرب والقمل بين النازحين. وكان يحصل 90% منهم على وجبة واحدة يومياً على الأقل. وتساعد المنظمات غير الحكومية والمبادرات الفرديّة في تأمين الغذاء إلى النازحين، فيما تبحث الحكومة في إنشاء مطابخ إجتماعيّة لتلبية الحاجات الغذائيّة. في المقابل، يعاني النازحين غير المقيمين في مراكز الإيواء من صعوبة الوصول إلى الغذاء الكافي، اذ يصعب على المنظمات غير الحكومية التعرّف عليهم والوصول إليهم.
يذكر بأن معظم النازحين نحو قرى البقاع الشمالي معظمهم من الشيعة أو من المحسوبين على النظام السوري. فيما لجأ النازحون المسيحيون إلى بلدة القاع حيث فتحت لهم صالة الكنيسة للإيواء. أما النازحين السوريين المعارضين الذين لجأوا إلى مناطق لبنانية مثل عرسال فقد عادوا إلى سوريا. يقدر عدد هؤلاء بأكثر من 90 ألف نازح سوري من بينهم مسلحين قاموا بإطلاق النار ابتهاجًا.
في لبنان، احتفلت القوى المعادية للنظام السوري، وكعادته، تصدّر رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع اليوم الذي وصفه بأنن «يوم خزي وعار للبنانيين الذين لعشرات السنوات واصلوا اطراء نظام الأسد مقابل القليل من الجبنة ومن المناصب السياسية». جعجع استعجل تحديد معالم المشهد السياسي المقبل في المنطقة، وفق قياسات المشروع الإسرائيلي طبعًا، طالباً من حزب الله التخلص «من البنى العسكرية التابعة له»، محدّدًا وقتاً للقيام بذلك «خلال شهرين على الأكثر».