من أكبر المشاكل التي تواجه الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الصهيوني هي صعوبة التنقل داخل الأراضي الفلسطينية والخروج منها والعودة إليها، حيث تشكل المعابر هاجسًا إنسانيًّا يلاحق الفلسطينيين في حلهم وترحالهم، وذلك لكثرة العراقيل وحملات الإذلال التي ينتهجها الاحتلال بحقّهم. وكل ذلك أمام مرأى ومسمع العالم الذي يتشدق بالحريات والحقوق، وفي ظل تهافت الحكومات العربية والإسلامية للتطبيع المجاني مع العدو متناسين حقوق الشعب الفلسطيني.
من هذه المعابر التي تعمس معاناة الفلسطيني هو معبر بيت حانون (معبر إيرز بالعبرية)، والذي يستخدم للمشاة والمركبات، فيما يُستخدم معبر كرم أبو سالم لنقل البضائع من الأراضي المحتلة إلى قطاع غزة، والعكس. ويتم تشغيل المعبرين من قبل سلطة المعابر البرية في وزارة ما تسمى “أمن اسرائيل”.
مساء الأحد الفائت، قرر الاحتلال الإسرائيلي تمديد إغلاق المعبر بسبب “الأوضاع الأمنية” المزعومة قرب السياج الفاصل مع القطاع، إذ صرح منسق أعمال حكومة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، غسان عليان، عن أن هذا القرار تم اتخاذه “بعد تقييم الوضع الأمني وبناءً على تعليمات وزير الدفاع، يوآف غالانت، ورئيس أركان الجيش، هرتسي هاليفي، على أن يعاد النظر في فتحه حسب تقييم الوضع في المنطقة”.
وأفادت القناة السابعة العبرية بأن حكومة الاحتلال قررت تمديد إغلاق معبر بيت حانون بزعم “ما شهدته المناطق الحدودية للقطاع من مظاهرات خلال الأيام الماضية”. هذه الاحتجاجات تتعلق بقضايا معاملة السجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية وتدنيس قطعان المستوطنين للمسجد الأقصى.
وترفض سلطات الاحتلال الصهيوني مرارًا السماح للمدنيين بالمرور من الحاجز علمًا أن عددًا كبيرًا منهم من الرضى المصابين بالأمراض المزمنة والخطيرة، ومعظمهم من الأطفال والنساء، ولا يتوفر لديهم الطعام والشراب عدا عن وجودهم ضمن ظروف غير إنسانية قاهرة تحت أشعة الشمس الحارقة، وذلك في مخالفة للمواثيق الدولية التي تؤكد على حق المرضى في التنقل للعلاج. وقد تناول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حق التنقل في مادته الثالثة عشرة: لكلِّ فرد حقٌّ في حرِّية التنقُّل، وفي اختيار محلِّ إقامته داخل حدود الدولة. ولكلِّ فرد حقٌّ في مغادرة أيِّ بلد، بما في ذلك بلده، وفي العودة إلى بلده.
ويرى متخصصو اقتصاد فلسطينيون أن هذه الخطوة تمنع أكثر من 18 ألف فلسطيني من العبور للعمل، مما يحرم الاقتصاد الفلسطيني المتعثر في قطاع غزة المحاصر -بسبب الحصار الذي تفرضه قوات الاحتلال والإجراءات الصارمة التي تتخذها مصر- من نحو مليوني دولار يوميًّا.
بالإضافة إلى ذلك، يعاني القطاع الاقتصادي في غزة حيث تم تدمير العديد من المنشآت الاقتصادية خلال الحروب والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، ما أدى إلى فقدان فرص العمل وتدهور القطاع الزراعي والصناعي. ويعاني العديد من الشباب من البطالة ويدفعهم إلى الهجرة إلى الخارج.
بوضوح، يطبق الاحتلال نظام الأبارتهايد العنصري، حيث يقسّم المناطق المحتلة إلى ثلاثة أقسام تنطبق عليها قوانين وإجراءات مختلفة. فهناك قطاع غزة والقدس وباقي الضفة الغربية، وبعد اتفاق أوسلو، تم فرض تقسيم إضافي في الضفة الغربية (دون القدس الشرقية)، حيث يسيطر الاحتلال أمنيًّا على مناطق “ب” و”ج” فيما بقي الموضوع الأمني للمناطق “أ” بيد السلطات الأمنية الفلسطينية. رغم أنه حتى مناطق “أ” يخترقها الاحتلال بصورة متكرّرة.
ويتعامل الاحتلال مع البضائع الفلسطينية المنقولة من غزة إلى الضفة الغربية أو بالعكس بشكل عنصري. وعبر الإجراءات الأمنية المشددة، يَحُول دون تدفقها، بينما يتساهل مع البضائع الإسرائيلية القادمة إلى القطاع الأمر الذي أدى إلى ارتفاع سعر نقل المنتجات الفلسطينية. كما انعكس ذلك على المستهلكين لهذه المنتجات.
وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي، يبلغ دخل الفرد في قطاع غزة ربع مستواه في الضفة الغربية. وقد كشف البنك الدولي أن نسبة البطالة في القطاع تقترب من 50%. وبحسب المتحدث باسم وزارة العمل في غزة، أيمن أبو كريم، فإن 8 آلاف عامل عادوا لغزة خلال أعياد اليهود لا يستطيعون العودة لأعمالهم بسبب الإغلاق.
وأضاف أبو كريم: “هذا عقاب جماعي للعمال من أجل منعهم من السفر للعمل في الداخل المحتل، وهؤلاء العمال تقريبًا 18500 عامل، منهم 8 آلاف عامل أغلق أمامهم حاجز بيت حانون، وهؤلاء يخسرون يوميًّا من اقتصادنا الفلسطيني في قطاع غزه نحو 3.2 مليون شيكل، وهو مبلغ مهم من أجل الإنفاق على عائلاتهم وتحسين وضعهم المعيشي”.
لا يجب تجاهل الواقع الصعب الذي يعيشه سكان قطاع غزة إذ يجب التحرك الفاعل وتقديم الدعم لسكان غزة والعمل على رفع الحصار وتوفير الخدمات للسكان، وتعزيز الاستثمار في البنية التحتية والقطاعات الاقتصادية والإنتاجية الأساسية.