رفح ورقة تفاوض
لقد خاض العدو الصهيوني عدوانه على قطاع غزة بدعم غير محدود وغير مشروط من الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية وسط صمتٍ وتخاذل إسلامي عموماً وعربي خصوصاً، وهذا ما شجّع الاحتلال على أن يمطر غزة بكميات غير مسبوقة من القذائف والصواريخ، مُخططاً لعملية برية، والتي نفذها بشكل تدريجي بداية من شمال غزة، ثم غزة، ثم المحافظات الوسطى وصولاً لخان يونس مُستبيحاً كل ما يمت للحياة بصلة من بشر وحجر ودون أي قيود أو أي محاذير أو موانع سياسية أو قانونية أو إنسانية.
ورغم ما فعله الاحتلال الصهيوني من قتل وتدمير خلال أكثر من مئة وثلاثين يوماً فقد فشل في تحقيق أهدافه الكبيرة التي وضعها لعمليته العسكرية سواء بالقضاء على حماس أو منع هجماتها الصاروخية، ودون أن يحرر أسراه من بين أيديها وأيدي باقي الفصائل، إلا أنه صنع كارثة إنسانية غير مسبوقة ضاغطاً بذلك على حاضنة المقاومة الشعبية ليتمكن من ليّ ذراعها.
كل هذا دفع الأهالي في غزة إلى النزوح إلى رفح، ليتجمع وفق تقديرات دولية حوالي مليون وأربعمائة ألف مدني في رفح ذات المساحة الجغرافية الضيقة، لتدق نواقيس الخطر حول احتمالية مجازر غير مسبوقة في حق المدنيين في حال أقدم الاحتلال الصهيوني بأية عملية عسكرية ولو محدودة.
وبالتالي فإن التلويح بأية عملية عسكرية برية في رفح يعتبر ورقة تفاوضية قوية بيد الاحتلال يحاول بها أن يضعف موقف حماس وفصائل المقاومة الأخرى، وذلك من باب حرص حركة حماس على المدنيين في رفح في ظل غياب الدور العربي والإسلامي إلى حد كبير، وفي ظل تفاقم الأوضاع الإنسانية المختلفة في عموم غزة حيث يعاني الأهالي وبشكل مقصود على مختلف الأصعدة الصحية والغذائية وغيرها من أدنى متطلبات الحياة.
ورغم تأكيد وزير دفاع الاحتلال بأن تعميق العملية العسكرية في غزة من شأنه الوصول إلى اتفاق لتبادل الأسرى، إلا أن سلوك حكومة الاحتلال يدل بشكل واضح أن الاحتلال سيبدأ عمليته العسكرية حتى ولو أبدى الطرف الفلسطيني مرونة للوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين الجانبين.
ولا بد لنا من الإشارة إلى أنه رغم ما تسبب به الاحتلال بما قام به من قتل وتدمير، إلا أنه ما زال بعيدا عن أي صورة من صور النصر رغم تحويله غزة لمكان غير قابل للحياة، وهذا ما يدفع حكومة الاحتلال ومؤسسته العسكرية والأمنية إلى التأكيد على ضرورة احتلال كافة محافظات القطاع حتى يتمكنوا من الوصول لِما قد يسموه إمكانية ادعاء النصر، فبالنسبة لهم دخول رفح أمر حتمي، وغير هذا يعني خسارة الحرب برمتها، فالعملية العسكرية في رفح من شأنها بالنسبة لهم أن تساهم في وصولهم لبعض الأسرى وتحريرهم، فضلاً عن أن هذه العملية ومن خلال الاشتباك مع كتائب القسام من شأنها أن توقع فيهم الخسائر وتضعف من مقدراتهم، وبالتالي يضعف حركة حماس ليستطيع تدميرها مستقبلا، وفي هذا المعنى أكد مكتب نتنياهو الذي قال:
من غير الممكن القضاء على حماس مع إبقاء أربع كتائب لها في رفح.
ويبدو أنه لا يوجد أي خلاف عميق بين المؤسسات العسكرية والأمنية والسياسية بخصوص الخطوط العريضة لذلك، كما لا بوجد اعتراض أمريكي واضح يحول دون حصول ذلك.
بيد أنه لا يبدو أنه هناك أي سقف لأي عملية عسكرية محتملة، إذ أن كل ذلك سيعتمد على أداء المقاومة في رفح وعموم القطاع، وقدرة الاحتلال على تغريب المدنيين باتجاهات مختلفة، كما يعتمد على دقة الموقف الأمريكي من العملية والذي يبدو واضحا لنا، كما أن هذا يعتمد على تسويغ الكيان المحتل للعملية وتسويقها دوليا وهذا أيضاً يبدو جلياً جداً في ظل هذا الصمت الدولي والإسلامي والعربي الغير مسبوق.
ورغم كل ما سبق فمن الواضح أن نتائج أي عملية عسكرية لن يختلف عن سابقاتها، إذ أنها لن تسفر عن أي نصر للاحتلال ولا تحقيق أدنى أهدافه، فالتفاوض هو ما سيحسم الأمر في نهاية المطاف، فالعملية لن تكون إلا كورقة تفاوضية.