تعتزم قناة «CBS» الأميركية، اليوم الأحد، عرض حلقة من برنامج «60 دقيقة» عن الحرب الأمنية التي شنّها العدو الإسرائيلي ضد حزب الله بارتكابه جريمة البيجر والأجهزة اللاسلكية.
ليزلي ستاهل، مُقَدِمَة الحلقة، أجرت مقابلات مع أعضاء من المخابرات الإسرائيلية «الموساد» الذين خطّطوا للعملية في 17 سبتمبر الماضي. وتبحث الحلقة في كيفية تصنيع وبيع الأجهزة المفخخة على مدار نحو عامين، فيما وجوه عملاء الموساد مخفية لإبقاء هويّاتهم مجهولة.
لا شكّ أنّ هذه الجريمة تعدّ عدوانًا على الدولة اللبنانية وخرقًا لسيادتها، حيث تخطّت “إسرائيل” كلّ القواعد المحرّمة في الحروب الأمنية، إذ تحظر اتفاقيات جنيف الأربع، التي تشكّل أساس القانون الدولي، استهداف المدنيين، وتعدّ المقاتلين مدنيين طالما أنهم غير منخرطين مباشرة في القتال. كما تحظر أي هجوم يؤدي إلى التسبّب في ضرر مفرط للمدنيين والأهداف المدنية فيما يتعلق بالميزة العسكرية المتوقّعة، وهم ما لم تحترمه “إسرائيل” بل تعمّدت قتل المدنيين بشكل عشوائي. ويمكن تصنيف الاستهداف المتعمّد للمقاتلين الذين لا يشاركون في الحرب على أنه جريمة حرب مكتملة الأركان. وبما أنّ القانون الدولي ينصّ على ملاحقة المسؤولين عن انتهاكات القانون الدولي الإنساني، فإن الذين اتخذوا القرار ونفّذوا هذا العدوان يُعدّون مسؤولين جنائيًّا عن هذه الجريمة أمام المحكمة الجنائية الدولية.
في الغضون، قدّم بن كاردان وجين شاهين وجاك ريد، وهم أعضاء ديموقراطيون في مجلس الشيوخ الأمريكي، مشروع قانون «لدعم الشعب اللبناني» تحت عنوان «منع تقويض سيادة لبنان واقتصاده» وأهدافه: تعزيز الجيش اللبناني؛ تقديم المساعدات الإنسانية للنازحين (اللاجئين السوريين والنازحين خلال الحرب بين إسرائيل وحزب الله)؛ دعم سيادة القانون في لبنان؛ فضلًا عن التعليم والصحافة الاستقصائية.
كاردان، وهو رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، زعم أن «الولايات المتحدة يجب أن تقف مع الشعب اللبناني في هذه اللحظة الحاسمة – التي لا تستحق أقلّ من ذلك».
ووفقًا لمشروع القانون، المقسّم إلى 12 نقطة، فإن وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، لمدة 60 يومًا، الذي دخل حيّز التنفيذ في 27 تشرين الثاني «يوفر طريقًا للاستقرار والازدهار للشعب اللبناني».
ويؤكد القانون، المقسّم إلى 12 نقطة، وجوب دعم الدولة اللبنانية «في إضعاف حزب الله» بألّا يتلقّى أيّ مساعدة حتى من الوزارات أو البلديات التي يسيطر عليها باعتباره «يعمل بالوكالة عن إيران»، ويشارك في «تقويض الديموقراطية اللبنانية»، ويموّل نفسه من عمليات «إنتاج الكبتاغون وتهريبه في لبنان».
ويدعي القانون أن السياسة الأمريكية تدعم تطلّع الشعب اللبناني للعيش بـ «سلام وأمن وازدهار في بلد خالٍ من نفوذ إيران والجماعات الإرهابية، مثل حزب الله، التي سعت منذ عقود إلى حكم الديناميكيات الأمنية والسياسية في لبنان».
ويؤكد نصّ القانون على ضرورة تنفيذ القرارات الأمميّة مثل القرار 1559 الذي يدعو إلى نزع سلاح «الميليشيات» في لبنان ورفع الدعم المالي للجيش اللبناني.
كما يزعم المشروع أن «إنفاق هذه المبالغ لن يفيد حزب الله بشكل مباشر، أي الوزارات الحكومية اللبنانية أو المجالس البلدية في لبنان التي يسيطر عليها حزب الله، وعلى رأسها أعضاء في حزب الله، أو توظّف عدداً كبيراً من أعضاء حزب الله».
يتزامن مشروع القانون مع محاولات واشنطن الحثيثة التضييق على حزب الله وتأييدها الدائم للاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة بحجّة مكافحة «التموضع الإيراني». ويرتبط بمنهجية «القوّة الناعمة» التي نظّر لها جوزيف ناي، مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون الدفاع في إدارة بيل كلينتون، التي تقوم على ثلاثة موارد أساسية: الثقافة والقيم السياسية والسياسة الخارجية، التي تعد أكثر صعوبة في السيطرة عليها لكن تكلفتها أقل.
بدلًا عن استخدام مصطلح «القوّة الناعمة»،
كان قائد الثورة الإسلامية، السيد الخامنئي، أول من استعمل مصطلح «الحرب الناعمة»، في 28 أغسطس 2009، هادفًا تعبئة الجماهير وخلق شعور بأن الأمّة مقتدرة وجاهزة للتصدّي. وأصبح المصطلح من أدبيات حزب الله واستراتيجياته، ليس فقط ضمن الديمغرافيا الشيعيّة اللبنانيّة، بل على مستوى شعوب محور المقاومة بمختلف انتمائتهم الإيديلوجيّة.
منذ تأسيسه، وفّق خطاب حزب الله بين عقيدته الإسلامية وتلك الوطنية اللبنانية سياسيًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا، آخذًا بعين الاعتبار المتغيّرات المتتاليّة.
وتمثّل هذه الاستراتيجيّة من التكيّف انفتاحًا ضروريًّا في المواجهة التي يخوضها حزب الله، عبر خلق شبكات من المؤيّدين والمتعاطفين.
على عكس بعض الحركات الإسلامية التي تستجيب للأمركة الثقافية إمّا بالتحوّل نحو التطرف والتقوقع الذاتي وإمّا بالاستجابة من خلال الانصياع التّام للامبرياليّة الغربيّة، فقد نجح حزب الله -وكما تبين خلال الحرب الأخيرة- في تكوين بيئة شعبيّة واسعة، شديدة التنظيم والانضباط والإنتاجية، وهي بيئة متنوّعة لكنها متلاحمة وذات هدفٍ واحد على المستوى الوطني في لبنان. وقد ابتكر جملة من التكتيكات الإبداعيّة لمواجهة السرديات الأميركية بهدف تقديم بديل للشباب.