في ظل العدوان الهمجي والحصار القسري الظالم المفروض على الشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة من قبل الاحتلال الصهيوني مدعوماً بجوقته الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وسط صمت عربي ودولي عن المجازر المروعة التي يرتكبها الكيان الصهيوني ضد أبناء القطاع، وكذلك سياسة التجويع والتهجير الممنهجة، باستثناء بعض عبارات التنديد الخجولة التي تطلق هنا وهناك منددة ومطالبة بوقف العدوان.
ومع غياب أي إرادة دولية وقرار أممي لتغيير المعادلة العسكرية، ووقف مسبح الدم والإجرام من قبل هذا الكيان، أو حتى الحفاظ على أدنى المعايير الإنسانية من خلال إدخال المساعدات الغذائية والطبية إلى مئات الآلاف والذين يعانون الأمرّين في قطاع غزة جراء هذا العدوان الغاشم… ظهرت الجمهورية العربية اليمنية وبشكل مفاجئ على ساحة الأحداث رغم كل ما مرّ بها وما تعانيه حاملة لواء النصر لغزة ولشعبها ولمقاومتها، علّها توقظ ضمائر المتقاعسين والمتخاذلين من أبناء جلدتها علّها تكون قدوة لاستنهاض الهمم لوقف هذا العدوان بكل الوسائل.
لم يكن اليمن يوماً ما وكغيره من الدول العربية بمنأى عن الأطماع الاستعمارية التي عصفت بالأمة العربية عبر تاريخها، لكنه كان أبداً وعلى الدوام شامخاً في وجه كل من أراد المساس بسيادته واستقلاله، مستلهماً قوته وعزيمته من تاريخه المشرف وحضارته العريقة، وشعبه الذي تربى على العزة والإباء.
كثيرون هم من حاولوا إخضاع هذا البلد، إلا أنه كان عصيا على ذلك بسبب ما تمتع به شعبه من إرادة صلبة ومقاومة شرسة هذا من جهة، ومن جهة أخرى ساعدته تضاريسه القاسية حتى أنه قد أُطلق عليه مقبرة الأناضول لما تكبدته السلطنة العثمانية إبان سيطرتها على المنطقة العربية من خسائر فادحة فيه، وكما أسلفنا فمحاولات إخضاع هذا البلد كانت كثيرة وكان آخرها ما تعرض له من عدوان أمريكي صهيوني وللأسف كان ذلك بأيدٍ عربية بامتياز.
وعلى الرغم مما نتج عن هذا العدوان من نتائج كارثية إنسانية واقتصادية، ومما يقرب من عشر سنوات عانى هذا البلد ويلات الدمار والحصار والتجويع وانتشار الأوبئة كما يحدث الآن في قطاع غزة إلا أنّ اليمن صمد وقاوم وأفشل هذا المخطط المراد له، وذلك بعزيمة أبنائه وبسالة جيشه، بل إنه أصبح أقوى منعة وأكثر صلابة متمرساً في فن المقاومة والتضحية وذلك من خلال تجربته الطويلة التي خاضها في حربه تلك.
ومنذ بداية العدوان البربري الصهيوني على قطاع غزة كان اليمن حاضرا بقيادته وشعبه وجيشه أحداث ما يجري في قطاع غزة حيث كانت بداية انتفاضته بمسيرات حاشدة عمت أرجاءه منددة بجرائم الاحتلال الصهيوني مستنكرة الصمت الدولي تجاه قتل الأبرياء من نساء وأطفال.
وقد تطور هذا المشهد سريعا فما لبث اليمن أن اتخذ قراره السياسي بالانخراط بالمواجهة مع هذا الكيان واقفا بكل إرادته وصلابته مع أشقائه في المقاومة الفلسطينية مهددا بضرب مصالح هذا الكيان وداعميه حتى يقف هذا العدوان وينتهي الحصار عن قطاع غزة وتجري عملية إدخال المساعدات الإغاثية إليه.
وعلى الرغم من البعد الجغرافي بينه وبين قطاع غزة إلا أن ذلك لم يثنه عن المضي قدماً في تنفيذ قراره ووضع كل إمكانياته لتحقيق ذلك مهما كلف الأمر من ثمن وما كان واجباً على العرب أن يفعلوه مجتمعين قام به منفردا فكيف كان ذلك؟
بالعودة إلى الطبيعة الجغرافية لليمن فيمكن القول بأنه يتمتع بموقع استراتيجي حساس فبالإضافة لتضاريسه الوعرة القاسية كما أسلفنا فهو يمتلك واجهة بحرية مطلة على باب المندب الذي يربط البحر الأحمر بالمحيط الهندي عن طريق خليج عدن، وهذا المضيق يقع في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر باتجاه المحيط الهندي وبحر العرب على حدود ثلاث دول وهي اليمن وجيبوتي واريتيريا ويفصل عمليا بين قارتي آسيا وافريقيا وهذا المضيق يستمد أهميته الاستراتيجية كونه المنفذ الوحيد الذي يتحكم تماما في البحر الأحمر من الناحيتين العسكرية والتجارية.
وانطلاقاً من ذلك فإن هذا الموقع الاستراتيجي فقد خول اليمن وفي هذه المرحلة بالذات والتي يستمر فيها الكيان الصهيوني بعدوانه على قطاع غزة أن يكون له دور كبير في مساندة أشقائه في قطاع غزة من خلال اعتراض السفن وناقلات النفط العابرة إلى الكيان الصهيوني عبر هذا المضيق والتي تساهم مباشرة في دعم هذا الكيان في مواصلة عدوانه الإجرامي ضد أبناء قطاع غزة.
إن قيام اليمن بهذا العمل أسهم بشكل كبير في إلحاق الضرر الكبير بالبنية الاقتصادية الصهيونية والحركة التجارية لهم، وتوقف قطاعات كثيرة فيه عن العمل وعلاوة على ذلك فإن كبرى الشركات الملاحية العالمية أوقفت حركتها الملاحية البحرية باتجاه المنطقة خوفا من تطور الأحداث وإلحاق الأذى بأسطولها الملاحي وخاصة بعد أن سيطرت القوات المسلحة اليمنية على العديد من السفن الصهيونية وغيرها والمحملة بالبضائع والمتجهة إلى هذا الكيان وبعد أن قامت بضرب بعض هذه السفن لعدم امتثالها للتحذيرات اليمنية ناهيك عما قامت به من رشقات صاروخية باتجاه هذا الكيان.
إن هذا العمل البطولي عروبي بامتياز وضع اليمن نفسه من خلاله مع المقاومة الفلسطينية في خندق واحد لمجابهة هذا العدوان وحريّ بهذا العمل أن يكون له بالغ الأثر في إيقاظ همم الدول العربية والاسلامية للدخول في هذا الخندق جنبا إلى جنب لردع هذا الكيان واجتثاث جذوره من هذه الأرض المقدسة.
إن هذا العمل له سابقة في التعاضد العربي وذلك عندما قامت المملكة العربية السعودية في حرب تشرين من عام 1973 من استخدام سلاح النفط كقوة استراتيجية مع أشقائها في مصر وسوريا في النصر على هذا الكيان. إن من واجب العرب خصوصا والمسلمين عموما أن يحذوا حذو اليمن بتقديم النصرة لغزة ومقاومتها، وأن يستنهضوا كل إمكانياتهم لوقف هذا العدوان الهمجي وفك الحصار عن أبناء القطاع لعل التاريخ الحديث يسجل في صفحاته المشرقة أن ذلك قد حدث بالفعل.