لم يَعُد مهمًّا متى ستنتهي المعركة. هي مسألة أيّام قتالية قد تطول وقد تقصر. لكن المهمّ أن النتيجة حُسمت سلفًا: المقاومة تتّجه إلى تثبيت معادلة جديدة في غزّة: المقاومة لم ولن تنهزم! وإذا كان صمود المقاومين يكمن في قدرتهم على مواصلة القتال بالكفاءة نفسها، فإن صمود الشعب يتمثل في التكيف مع ظروف العدوان الهمجي، بعد تشريدهم من بيوتهم وشنّ حرب معنوية ضدهم لإجبراهم على الإستسلام في النهاية.
عبر تصريحات المسؤولين الغربيين ووسائل الإعلام الغربية، صوّر العدو كما لو أنه هو الضحيّة، مستغلًّا «عملية طوفان الأقصى» لإظهار المقاومة بمظهر «الإرهابية» متناسيًّا عقود من الاحتلال المباشر وغير المباشر وسياسة «الأبارتهايد» والقتل بحقّ الشعب الفلسطيني.
منعوا عنهم الماء والغذاء والدواء، فكانت ردة الفعل بالتضحية والصمود في ميادين القتال وفي الصالونات الدبلوماسية حيث اجتمع أهل غزّة على قلب رجل واحد ضد مشاريع النهب والتهجير والتقسيم. وكلما طال صمود غزة، زادت الضغوط الحقيقية على العدو وحليفه الرئيسي -عسكريًّا ودبلوماسيًّا- الولايات المتحدة. مئير بن شبات، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي سابقًا وصاحب التاريخ الطويل في إدارة جهاز «الشاباك»، سبق أن سلّط الضوء على التحديات التي يواجهها كيان الإحتلال بسبب هذه الضغوط، والتي تخدم فقط، حسب تعبيره، مصالح المقاومة الفلسطينية.
فشل الإبادة الجماعية
صاغ رفائيل ليمكين مصطلح «الإبادة الجماعية» والذي لا يعني بالضرورة التدمير الفوري والمباشر لأمّة ما بل وجود خطّة منسّقة مسبقًا تهدف إلى تدمير حياة الجماعات. بهذا المعنى، فالنيّة المتبوعة بممارسات عملية هي التي تُحدّد ما إذا كانت الجرائم تنضوي ضمن فئة الإبادة الجماعية أم لا وفق ما أكّدته المادة السادسة من نظام روما الأساس للمحكمة الجنائية الدولية، إذ ركّزت الوثيقة على البند المتعلّق بالنيات، وهو ما ينطبق تمامًا على العدو الإسرائيلي. فـ نيّة «الإبادة الجماعية» حاضرة في تفاصيل حربه كافة، من تدمير البنى التحتية، والمدارس، والمرافق الصحّية، والخدماتية، والمساكن.. إلخ.
وثمّة دليلين على النيّة المسبقة للعدو في تنفيذ «الإبادة الجماعية» في غزّة. يتمثّل الأول في تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، مثل دعوة النائبة في الكنيست ريفيتال غوتليف الجيشَ إلى استخدام السلاح النووي، وقتل سكّان غزّة بلا رحمة، ودعوة وزير التراث عميحاي إلياهو إلى إلقاء قنبلة نووية على غزّة، ودعوة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير إلى القضاء على جميع المتعاطفين مع «حماس»، إلخ. أما الدليل الثاني وهو الأكثر أهميةً فهي القصف العشوائي اليومي لـ الأحياء السكنية والمدارس والمستشفيات فضلًا عن التجويع الممنهج الهادف لـ دفع سكّان غزّة إلى الهجرة القسرية.
مفاوضات وقف إطلاق النار
«الجهاد الإسلامي» أكدت أن وفدًا رفيعًا من الحركة سيتوجه إلى الدوحة مساء اليوم لـ «المشاركة في التفاصيل النهائية لإتفاق وقف إطلاق النار في غزة.»
في الغضون، كشف أنتوني بلينكين، وزير الخارجية الأميركي، خلال مشاركته في نقاشات يعقدها «مركز أبحاث المجلس الأطلسي» أن «هيئة ستتولى حكم قطاع غزة في اليوم التالي للحرب وستسلم الحكم إلى سلطة فلسطينية» التي سيتعين عليها «دعوة الشركاء الدوليين للمساعدة في إقامة إدارة مؤقتة في القطاع غزة»، معربًا عن اعتقاده بأنه «يجب ضمان عدم قدرة حماس على حكم القطاع وأن تتولى السلطة الفلسطينية بعد إصلاحها حكم القطاع.»
وفي الوقت الذي تتقدّم فيه فرص إعلان وقف اطلاق النار، لا يزال العدو الاسرائيلي يواصل إستهداف الصحافيين بشكل شبه يومي، فقد أعلن المكتب الاعلامي الحكومي اليوم ارتفاع عدد الشهداء الصَّحفيين إلى 204 منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على القطاع، داعيًّا «الاتحاد الدولي للصحافيين»، واتحاد «الصحافيين العرب» وغيرها من المؤسسات الدّوليّة المعنيّة إلى إدانة هذه الجرائم الممنهجة ضد الصحافيين.
مسؤول إسرائيلي تحدث لـ محطة «CNN» عن ثلاث مراحل للاتفاق، تستمر الأولى 42 يومًا وستشهد إطلاق سراح 33 أسيرًا إسرئيليًّا مقابل الإفراج عن «عدة مئات من الأسرى الفلسطينيين» كما سيُسمح للمدنيين بالعودة بحرية إلى شمالي القطاع، بالتزامن مع انسحاب جيش العدو من المراكز السكانية. ويُتيح الاتفاق لـ جيش العدو البقاء على طول الحدود بين غزة ومصر، واحتفاظه بمنطقة عازلة مع المستوطنات. أما في المرحلة الثانية والثالثة، جرى الاتفاق على أن تبدأ المفاوضات بشأنها في اليوم الـ 16من المرحلة الأولى.
احتجاج المتطرفين رفضًا لوقف الحرب
تظاهر مئات المتطرفين الصهاينة في مدينة القدس المحتلة احتجاجًا على الصفقة المحتملة لـ وقف إطلاق النار في قطاع غزة وتبادل الأسرى. وقالت «صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية» إن هؤلاء رددوا هتافات «لا للصفقة» و«نريد حسماً عسكريًّا في غزة» و«لا نعقد صفقة مع الشيطان». وأضافت: «المظاهرة تأتي في الوقت الذي تتقدم فيه المحادثات بين إسرائيل وحماس؛ اندلعت خلالها اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية والمتظاهرين الذين أغلقوا الطريق.»
حرب غزّة لم تلقن العدوّ درسًا عسكريًّا وحسب بل أعادت الزخم لـ «القضية الفلسطينية»، في ظلّ حملة التطبيع العربية، وأعادت تاريخ الكفاح المسلّح الفلسطيني إلى الصدارة حتى دفعت دولًا عدّة إلى الوقوف إلى جانب الفلسطينيين بـ اعترافهم بـ «دولة فلسطين» في تحدٍّ واضح للولايات المتحدة والغرب أجمع.