منذ أكثر من خمس وسبعين عام استقدمت بريطانيا شراذم من اليهود وشذاذ الآفاق إلى منطقة الشرق الأوسط وزعتهم في قلب المنطقة في فلسطين بناء على وعد مشؤوم عُرف بوعد بلفور، وفي ذلك الوقت قام العرب بالوقوف في وجه تلك المؤامرة على ضعف الإمكانيات الموجودة آنذاك، ولكن دون جدوى، فأصبح وجودهم واقعاً لا ينكر وكذلك لا يمكن التعايش معه، إلا أن هذا الاستياء تبلور بحركات شعبية بسيطة لم تتجاوز حد الانتفاضات التي لا تثمر شيئاً إلا التعبير عن عدم قبول ذلك الكيان الغاصب. واستمر الحال على هذا المنوال من انتفاضة إلى أخرى ومن هدنة إلى أخرى والعدو ما يزال مغتصباً وفلسطين كذلك مُغتَصَبة.
ومن ذلك الواقع المرير وتلك التحديات الصعبة التي خلقها ذلك الواقع كان لا بد من تأطير صورة المواجهة في إطار منسق ومنظم ليكون له وقعاً جدياً على الأرض يفرض نفسه في ساحة التصدي لهذا الكيان ومن ورائه القوى الامبريالية الكبرى الداعمة له لتحقيق شيء من التوازن في المنطقة وذلك من مبدأ الفعل ورد الفعل وأنه كما يُقال إذا أردت السلم فاستعد للحرب.
من هذا المنطلق بدأت فكرة تشكيل حلف مقاوم لهذه القوى الامبريالية المتمثلة بالولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وأهمهم بريطانيا وأدواتهم في منطقة الشرق الأوسط وهي اسرائيل تحديداً وكان الأمر، فقامت القوى المعوّل عليها بعروبتها وإسلامها بتشكيل تحالف عسكري سياسي غير رسمي بدايةً مناهضٍ لإسرائيل ومن ورائها الدول الغربية الداعمة لها وعلى الرغم من اختلاف إيديولوجيات قوى التحالف على اعتبار أنهم قوى علمانية وأخرى إسلامية دينية إلا أنهم موحدون من خلال هدفهم المتمثل في معارضة ومواجهة أنشطة الأحزاب والجماعات الموالية لإسرائيل والغرب في المنطقة، وكذلك اعتبرت بعض القوى العالمية الكبرى كروسيا والصين جزءاً من هذا التحالف ولو بشكل غير مباشر نظراً للموقف الذي تبنوه من قوى الاستكبار العالمي ومناهضته علناً وكذلك دعمهم بشكل مباشر أو غير مباشر لقوى المقاومة في المنطقة ولو كان ذلك الدعم لوجستياً فقط.
لقد فرض هذا التحالف المقاوم نفسه على أرض الواقع في الساحة الاقليمية نتيجة تراكم الأحداث بالجهود الأمريكية والإسرائيلية للهيمنة على منطقة الشرق الأوسط إما عسكرياً أو سياسياً من خلال دعوات مفضوحة لإجراء عمليات سلام تصبّ في مصلحة الكيان الصهيوني ومجحفة بحق العرب عامة وفلسطين على وجه الخصوص.
وهذا الأمر الذي جعل من هذا المحور المقاوم يطفو على السطح ويزداد ثقله في المنطقة، وكان ذلك دون وجود هيكلية معينة ذات طابع شكلي أو مؤسساتي له، ورغم ذلك كان له بصمة واضحة ملحوظة عند تقييم الوضع الجيوستراتيجي في المنطقة في نطاق الصراع العربي الإسرائيلي.
وعندما نرى وندرك ما هي عليه المقاومة اليوم بعد مرور ما يزيد عن أربع عقود على تأسيسها وما وصلت إليه من قوة لا يستهان بها، لها وزنها وثقلها في منطقة الشرق الأوسط وحجر عثرة يحسب حسابه في وجه القوى الغربية ومحاولاتها للتمدد في المنطقة والهيمنة عليها، كان لا بد لنا من معرفة المراحل التي مرّ بها هذا المحور المقاوم والممانع حتى وصل إلى ما هو عليه الآن.
فهل كانت نشأته صدفة أم أن هناك أرضية كانت موجودة مسبقاً وكانت النواة أو البذرة الأساسية التي انطلقت منه الفكرة حتى تبلورت في هيكلها التنظيمي أو ما سمي فيما بعد بالمقاومة الإسلامية.
لمعرفة ذلك لا بد من دراسة الواقع السياسي للمنطقة العربية خصوصاً، والشرق الأوسط على وجه العموم في تلك الفترة التي ولدت فيها فكرة المقاومة وهذه الفترة تحديداً بدأت عام 1979 وأهم أحداثها كان آنذاك خروج مصر بما لها من ثقل على الصعيد العربي آنذاك من دائرة الصراع العربي الاسرائيلي بعد توقيع الرئيس المصري السابق أنور السادات على اتفاقية السلام وكامب ديفيد مع الكيان الصهيوني وبدء العلاقات الدبلوماسية بينهما في العامين 1978 وَ 1979 الأمر الذي ترك سوريا بمفردها في ساحة المواجهة. وبنفس تلك الفترة انتصرت الثورة الإيرانية بقيادة الإمام الخميني في شباط 1979 ونجحت بإطاحة حكم نظام الشاه المنفذ للسياسات الأمريكية في المنطقة.
وقد قام الامام الخميني برفع شعار معاداة الكيان الصهيوني ورفض الخضوع لقوى الاستكبار العالمي وتحرير فلسطين ودعم خيار الشعب الفلسطيني في المقاومة، الأمر الذي ساهم في تلاقي الأهداف في إيران وسوريا. بعد ذلك بسنوات قليلة ونتيجة للظروف التي غلب عليها طابع المقاومة العسكرية لإسرائيل وخاصة بعد اجتياحها بيروت عام 1982 وبعد زيارة مجموعة التسعة لإيران والاتفاق على تأسيس حزب الله الذي حمل اسم المقاومة الإسلامية حتى عام 1985.
وخلال الذكرى الأولى لاغتيال الشيخ راغب حرب شهيد شهداء المقاومة الإسلامية تم الإعلان عن تحول المقاومة من العمل بطابع سري إلى العمل علناً عسكرياً وسياسياً في واجهة الكيان الإسرائيلي، وكان أبرز ما سلط الضوء على هذه المقاومة هو استهدافها لمقر القوات الأمريكية – الفرنسية في لبنان عام 1983 ونتج عن ذلك الهجوم مقتل 300 جندي.
كل هذه الأحداث ساهمت في تشكيل اللبنة الأساسية للمقاومة وساعدت في توحيد أهدافها الأساسية المتمثلة في وضع القضية الفلسطينية في المركز بالنسبة للعرب والمسلمين واعتماد الكفاح المسلح للدفاع عن هذه القضية المركزية، ورغم كل ذلك من اتفاق هذه القوى على عددها المشترك وتوحيد الأهداف المشتركة إلا أن المقاومة لم تأخذ الشكل المطلوب الفعال في ذلك الوقت.
لذلك نقول أن هذه المرحلة كانت مرحلة التأسيس التي سبقت عدة مراحل ساهمت جميعها في تكوين هذه المقاومة حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم ولا بد من تسليط الضوء عليها لاحقاً لمعرفة ما مرت به خلال ما يزيد عن أربعين سنة من عمرها حتى أصبحت كما هي اليوم.