الاتفاق المستحيل
تبدو محاولات استئناف مفاوضات القاهرة بين إسرائيل وحركة حماس أشبه بمهمة مستحيلة. ففي الوقت الذي وصف فيه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن هذه المفاوضات بأنها “الفرصة الأخيرة”، فإن الآمال في وقف إطلاق النار في قطاع غزة لا تزال بعيدة المنال. هذا الوصف يعكس حجم التحديات التي تواجه هذه المفاوضات، خاصة مع رفض حركة حماس للتصريحات الأمريكية واعتبارها تأييداً غير مباشر لإسرائيل لمواصلة الحرب.
موقف حماس من التصريحات الأمريكية
رفضت حركة حماس تصريحات بلينكن بشكل قاطع، معتبرة أنها تعطي “الضوء الأخضر” لإسرائيل لمواصلة عدوانها. واعتبرت الحركة أن المقترحات الأمريكية الجديدة تختلف بشكل كبير عن الخطة الأصلية للرئيس الأمريكي جو بايدن. وتشعر حماس بأن الإدارة الأمريكية قد امتثلت لمطالب إسرائيلية جديدة، مما يزيد من تعقيد الوضع.
المطالب الإسرائيلية الجديدة
تطالب حكومة بنيامين نتنياهو بانتشار عسكري إسرائيلي دائم على طول ممر فيلادلفيا، وهو الشريط الحدودي بين غزة ومصر، وكذلك على طول ممر نتساريم، وهو المحور الذي يقطع قطاع غزة إلى قسمين. هذه المطالب تعكس رغبة إسرائيل في ضمان أمنها على حساب السيادة الفلسطينية، وهو ما تعتبره حماس انتهاكاً لحقوق الفلسطينيين.
استحالة التوصل إلى اتفاق
يرى الباحث المستقل توماس فيسكوفي أن حركة حماس تجد نفسها في وضع صعب للغاية. فهي تدرك تمامًا أن التوقيع على اتفاق لا يلبي المطالب الأساسية للفلسطينيين سيُنظر إليه على أنه خيانة. فمن وجهة نظر سكان غزة، ستكون هناك مرارة كبيرة إذا كانت النتيجة النهائية لتضحياتهم هي اتفاق لا يحقق أي من طموحاتهم الوطنية.
التحديات التي تواجه نتنياهو
لا تقتصر التحديات على حركة حماس فقط، بل يواجه رئيس الوزراء حكومة الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تحديات مماثلة. فمن جهة، عليه التعامل مع الضغوط الداخلية من عائلات ضحايا 7 أكتوبر والرهائن. هذه العائلات لن تقبل بأي اتفاق لا يعيد أبنائها أو يحقق لهم العدالة، مما يضع نتنياهو في موقف لا يُحسد عليه.
تأثير الوضع الداخلي في غزة
تعزز مركزية حماس في غزة منذ عدة أشهر، وخاصة بعد اغتيال الشهيد إسماعيل هنية وتولي القائد يحيى السنوار زعامة الحركة، من تعقيد الأوضاع. فالسنوار، الذي يُعتبر العقل المدبر لهجمات 7 أكتوبر، يواجه تحدياً كبيراً في الحفاظ على تماسك حماس والضغط لتحقيق مطالبها. حيث تراجع الأمل في التوصل إلى اتفاق يعكس الواقع القاسي الذي تعيشه غزة تحت الحصار والاعتداءات المستمرة.
دور الولايات المتحدة
تلعب الولايات المتحدة دوراً حاسماً في هذه المفاوضات، ولكن يبدو أن موقفها يميل بشكل كبير نحو دعم المطالب الإسرائيلية…. هذا الأمر يضعف من إمكانية تحقيق تسوية عادلة. فبدلاً من ممارسة الضغط على إسرائيل للتوصل إلى اتفاق يحقق الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية، تبدو واشنطن ملتزمة بتأمين مصالح إسرائيل الأمنية على حساب حقوق الفلسطينيين.
الخيارات المتاحة
في ظل هذه الظروف، تبدو الخيارات المتاحة أمام كل من إسرائيل وحركة حماس محدودة للغاية. فإما التوصل إلى اتفاق هش يفتقر إلى الدعم الشعبي على الجانبين، أو استمرار النزاع مع كل ما يترتب على ذلك من معاناة وخسائر بشرية ومادية.
نحو مستقبل مجهول
بالنظر إلى المعطيات الحالية، يبدو أن التوصل إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف أمرًا مستبعدًا. فالمواقف المتشددة من الجانبين، ورفض حركة حماس لأي مقترحات لا تلبي مطالبها الأساسية… تجعل من الصعب تصور أي نهاية قريبة لهذا النزاع.
من جهة أخرى، تبقى إسرائيل ملتزمة بأمنها القومي، بينما تواصل الولايات المتحدة دعمها لحليفتها الاستراتيجية… مما يترك الفلسطينيين في غزة أمام واقع مؤلم من العزلة والحصار.
خاتمة
في النهاية، يبدو أن مفاوضات القاهرة ليست سوى محاولة أخرى في سلسلة من الجهود الفاشلة لتحقيق سلام في الشرق الأوسط. ومع استمرار هذه الأزمة، يبقى الأمل في حل عادل ودائم بعيد المنال. الاتفاق المستحيل بين إسرائيل وحماس يظل رهينة لتوازنات القوى والمصالح الدولية… هذا الأمر يترك المنطقة أمام مستقبل مجهول قد يحمل في طياته مزيداً من الصراع والمعاناة.