يبدو أنّ مصر لم تكن راضية عن الهجوم الذي نفذته المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس على مستوطنات غلاف قطاع غزة وأعربت عن غضبها من هذا الهجوم لقيادات حماس، ولكن على ما يبدو أيضاً أنّ المكتب السياسي لحركة حماس نفسه لم يكن على علم بالهجوم وحجمه وموعده، بل أيضاً لم تتوقع قيادة الحركة أن تأتي نتائج الهجوم بهذه الصورة، وقد يشير هذا إلى أن الجناح السياسي لحركة حماس لم يعد قادراً على السيطرة على الجناح العسكري للحركة.
استطاعت مصر إيصال جزء من المساعدات إلى غزة، و اتخذت موقفاً صلباً في هذا الشأن وهذا ما أزعج الكيان الإسرائيلي حيث قامت بقصف على مصر في شرق معبر رفح مما أدى إلى إصابة تسعة جنود من الجيش المصري.
توازن الموقف المصري في شأن الأحداث في غزة يتجلى بالسماح بالتظاهرات المؤيدة للفلسطينين، و التنديد بالعدوان الإسرائيلي و جرائمه في وسائل الإعلام المصرية، بالإضافة إلى مواصلة المصريين التبرع بالدم و الأموال والمواد الغذائية من دون اعتراض أو مضايقات من قبل الحكومة المصرية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تعبر القيادة المصرية عن غضبها و امتعاضها من حماس مع حث المجتمع الدولي على التدخل لإنهاء الإبادة الجماعية في غزة و إيقاف الحرب. إذاً الدبلوماسية المصرية تحاول أن تثبت أنّها ماتزال تمسك بملف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، و أنّ مصر قوة إقليمية مؤثرة في المنطقة.
تدرك مصر خطورة سحب الملف الفلسطيني من يدها وحلول قوه إقليمية أخرى مكانها وإلغاء دورها، لذا فإن مصر وبالتعاون مع الإمارات تحاول الإمساك بهذا الملف عن طريق الضغط على المقاومة الفلسطينية ومحاولة إحياء ملف المصالحة الفلسطينية الفلسطينية وتطويق أي دور لأي قوه إقليمية تحاول التمدد على حساب مصر ودورها.
إذاً، ومن أجل الحفاظ على دورها ومكانتها ومواجهة المخططات الإسرائيلية، لابد من مواصلة مصر لمساعيها لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب ووقف المجزرة الصهيونية والضغط لإيصال المساعدات لكل الفلسطينيين والوقوف بقوة وحزم ضد مخطط الكيان الإسرائيلي المتضمن تهجير سكان غزة.
تعمل مصر على احتواء تداعيات الحرب على غزة، وتطويق وإفشال كل المخططات الرامية لتهجير الفلسطينيين، ومنع حدوث فوضى عارمة على حدودها، بعد أن ألقى المجرم نتنياهو أزماته الداخلية في قلب هذه الحرب الهمجية، إذ وجد فيها طوق نجاة من مصير غامض ينتظره ومن الضغط الداخلي على حكومته بسبب التظاهرات المتواصلة، في ضوء إصراره على تمرير قانون الإصلاح القضائي.
كل الأطراف المنخرطة في الصراع، تسعى لتحقيق مصالحها وفرض إرادتها، بينما يدفع الفلسطينيون وحدهم ثمن الجنون والعربدة الإسرائيلية، والعرب يتفرجون.