بنحو 40% من الأصوات، عاد جورج غالاوي، السياسي البريطاني المخضرم المعروف بتأييده القضية الفلسطينية ومناهضة الاحتلال الإسرائيلي، إلى مجلس العموم البريطاني، وذلك للمرة الرابعة خلال 37 عامًا من نضاله، بعد فوزه في الانتخابات الفرعية للبرلمان عن روتشديل (مدينة تقع شمالي إنكلترا / تُشكّل نسبة المسلمين فيها قرابة 20% من الناخبين). غالاوي حصل على 12335صوتًا في الانتخابات التي سجلت نسبة مشاركة بلغت 39.7%.
موقع “دي كلاسفيد” البريطاني لفت إلى أنّ حزب العمال كان واثقًا من الاحتفاظ بمقعده حيث “تحوّلت الانتخابات إلى عاصفة إعلامية وصداع كبير لزعيم المعارضة البريطانية، كير ستارمر”. وقد تراجع حزب العمال عن دعمه لأحد المرشّحين بسبب تصريحه بأنّ “إسرائيل سمحت عمدًا بقتل مواطنيها كي تتمكن من شنّ العدوان على قطاع غزّة”.
في أدبيات حملته الانتخابية، أكد جورج غالاوي أن تلك الدورة الفرعية هي بمثابة استفتاء بشأن الحرب على غزّة. وقد أشار إلى نفسه باسم “جورج غالاوي من غزّة” موجهًا رسالة تنديدية صريحة إلى الأحزاب السياسية البريطانية التقليدية بشأن تواطؤهم في الإبادة الجماعية في غزة. وقد خاطب ستارمر، بعد فوزه، بالقول “كير ستارمر، هذا من أجل غزة … ستدفعون ثمنًا باهظًا للدور الذي لعبتموه في تمكين الكارثة التي تحدث حاليًّا في غزة المحتلة وتشجيعها وتغطيتها”.
منذ بداية العدوان على غزة، شهدت المملكة المتحدة تحرّكات نقابية وحقوقية واحتجاجات واسعة طالبت بوقف إمدادات “إسرائيل” بالأسلحة. في الغضون، عطّل عمّال بريطانيون فعالية لجمع تبرّعات للصهاينة رغم أنّ القائمين عرضوا عليهم مقابلًا يفوق أجرهم بـ 3 أضعاف. إذًا غالوي خاض هذه الانتخابات من أجل رفع المظلومية عن الشعب الفلسطيني، ولا سيما في قطاع غزة. كما أنّ الناخبون -في هذه الدائرة الانتخابية- اختاروا من يمثل مزاجهم ومن يمثل أفكارهم وأرائهم. هذا يعني بأن هناك صحوة لافتة لا سيما في المناطق المحسوبة على المسلمين، وعلى أنصار القضية الفلسطينية، ستحدد -حتمًا- مستقبل الأحزاب السياسية في البرلمان البريطاني.
نجاح غالاوي يعكس بل يؤكد تبدلًا دراماتيكيّاً ملموساً في الموقف الشعبي البريطاني ضد السياسة الحاكمة، التي ناهضها غالاوي -على مدار العقود الأربعة الماضية من النضال- إذ يعدّ معارضاً قويّاً للحروب على العراق وعلى سوريا، وأيضاً ضدّ الحرب على روسيا، وله مواقف مؤيّدة لحركات المقاومة ولحركات التحرّر في الوطن العربي، وفي أميركا اللاتينية.
يذكر أن لغالاوي دور فعّال في إنشاء روابط التوأمة بين مدينتي دندي الأسكتلندية (شمال بريطانيا) ونابلس (شمال الضفة الغربية في فلسطين). بدأت قصة التوأمة حين قدم رئيس بلدية نابلس بسام الشكعة إلى لندن للعلاج عام ١٩٨٠ إثر تعرضه لمحاولة اغتيال فقد على إثرها قدميه. وقتئذٍ، تعرف الشكعة على غالاوي، ولاحقًا صوّت معظم أعضاء مجلس مدينة دندي لصالح إبرام توأمة بين مدينة تحت الاحتلال وأخرى في قلب أوروبا الغربية. ثم تعززت علاقة المدينتين عبر تبادل الزيارات الشبابية والمشاريع التعليمية والصحية، وحملات تشجير، فضلًا عن تنظيم احتجاجات أمام السفارة “إسرائيل”.
كما قاد قوافل شريان الحياة الدولية إلى غزة التي زارها مع نشطاء آخرين حيث قدمت له الجنسية الفلسطينية.
يقول غالاوي: “ولدت في عائلة أيرلندية مهاجرة تسكن مدينة داندي على الساحل الشمالي الشرقي لاسكتلندا، كانت عائلة والدتي من المهاجرين الأيرلنديين أما عائلة والدي فمن المزارعين الاسكتلنديين، كنا فقراء لكن سعداء. ولدت لعائلة تقدمية تساند الجناح اليساري من الطبقة العاملة شجعتني على القراءة وأعطتني الكثير من الكتب، لذا لطالما كنت في المدرسة الولد الذي يعرف من هو رئيس هذه الدولة أو ملك تلك، ونما عندي الاهتمام بالسياسة منذ نعومة أظفاري فقد كان والدي مسؤولاً في نقابة المهندسين، وكانت والدتي ناشطة في حزب العمال لذا كنت أعمل في الانتخابات منذ الصغر، وعندما بلغت الثالثة عشر أي قبل عامين من السن المسموح بها انتسبت إلى حزب العمال”.
ويضيف: “وقفت مع العرب منذ زمن طويل، بالتحديد منذ أن كنت في الواحدة والعشرين من عمري، أي أكثر من نصف حياتي. وقفت إلى جانب الفلسطينيين ولا أزال على موقفي هذا، كان من حسن حظي أن أكون صديقًا للرئيس الراحل ياسر عرفات. وقفت مع الشعب اللبناني ضد الغزو والاحتلال الإسرائيلي، وقفت مع العراق وسوريا وليبيا ضد الحصار والمقاطعة، وقفت مع شعب السودان ضد أولئك الذين يسعون لتمزيقه إربًا”.
بفوز غالاوي، ستكون هذه هي المرة الأولى التي يستطيع مرشح مُستقل أن يهزم الأحزاب التقليدية (حزبي العمال والمحافظين). كما ستدفع حزب العمال لإجراء مراجعة شاملة بشأن سياساته المتعلّقة بالحرب على غزة والانحياز لصالح إسرائيل، وبالتالي صناعة مشهد سياسي جديد له مواقف مختلفة تمامًا عن مواقف الاستابلشمنت (الفئة الحاكمة في المملكة المتحدة).