أضرم الطيار الأميركي آرون بوشنل (25 عامًا) النار في نفسه، أمام سفارة كيان الإحتلال في واشنطن، صارخًا -مرارًا وتكرارًا- “الحرية لفلسطين” حتى فارق الحياة. وفقًا للإعلام الأمريكي، عرف بوشنل أنه سيتم إرساله، وطيارون آخرون، إلى فلسطين المحتلة للمشاركة في الإبادة الجماعية الممنهجة بحق الفلسطينيين.
أيًّا كانت السياسة التي ينتهجها بوشنل، فإن مفاد تصرفه الاحتجاجي إخبار العالم بأنه يخجل بأن يكون متواطئاً في جريمة الإبادة الجماعية في غزة والتي تدعمها -بشكل كامل ورئيسي ومباشر- الولايات المتحدة الأمريكية. فيما يشير الكثيرون إليه كبطل، فإن بعض الأصوات الصهيونية الشّاذة تعرضت للسخرية منه -على وسائل التواصل الاجتماعي- فقط لأنه وقف ضد الظالمين الأشرار، بمن فيهم لورا لومر (ناشطة يمينية اشتهرت بمواقفها المتطرفة ضد المسلمين والتي تعمل في حملة ترامب الرئاسية).
ففي حين أنّ هناك شريحة واسعة من الشعب الأمريكي في سبات، ثمة أميركيون آخرون قد استيقظوا بعد أن سئموا من أداء النخبة السياسية. وعندما تتعاظم هذه الصحوة فستحدث زلزالًا سياسيًّا كارثيًّا في الولايات المتحدة. لذا نلحظ تعاظم دور اللوبي الصهيوني المتورط في الكثير من الأزمات في جميع أنحاء العالم، وخاصة المؤامرة الاقتصادية المتمثلة في زيادة الأغنياء ثراءً والفقراء فقراً. فمن المغالطة الاعتقاد بأن القضية الفلسطينية تهم اليساريين فقط؛ الأمر الذي لم يتوقعه الصهاينة هو أن العديد من اليمينيين -أيضًا- يعتبرون الصهيونية تهديداً فعليّاً، مثل الكاثوليك المحافظين.
تجدر الإشارة إلى أنَّ سياسات الهجرة الليبرالية إلى الولايات المتحدة الأمريكية يديرها الرأسماليون والصهاينة.
الرأسماليون يحتاجون إلى قوى عاملة أرخص أجراً لزيادة هوامش الربح (نظراً للانخفاض الحاد في الولادات عند الغرب). هؤلاء يستغلون الحروب التي تشنها بلدانهم حول العالم لاستغلال الهجرة الجماعية خاصةً العمال ذوي الشهادات المتقدمة والكفاءات العالية، كذلك يستغلون المهاجرين من بلدان تعاني من أزمات مالية (بسبب العقوبات الاقتصادية والأزمات التي يسببها صندوق النقد الدولي).
أما الصهاينة، يشجعون على الحروب التي تدمر البلدان وتخلق اللاجئين، ثم يرحبون فسيتفيدون منهم لإثارة صراعات بين المسلمين والمسيحيين.
يعتقد الكثير من المؤرخين بأنَّ الآباء الأوروبييون المؤسسون للولايات المتحدة كانوا في معظمهم من الليبراليين الماسونيين. أسسوا هؤلاء الكيان الأمريكي على أساس فلسفة معادية للمسيحية، تدعو للفصل بين الكنيسة والدولة وتقدس الحريات الفردية. وقد كان التجار اليهود من بين أقوى تجار العبيد إلى جانب نظرائهم الأنجلوسكسونيين، وقد تورطوا بإراقة دماء نحو 100 مليون أفريقي في العام 1939.
وفقًا لبنجامين فرانكلين: “إن عدد الأشخاص البيض في العالم صغير جدًا نسبيًا. أفريقيا كلها سوداء أو سمراء. آسيا سمراء بشكل رئيسي. أمريكا (باستثناء القادمين الجدد) هي كذلك تماماً”. بين الأعراق التي يمكن اعتبارها بيضاء، وبالتالي قبولها في أمريكا، لا يرحب في الولايات المتحدة الأمريكية إلّا بالمهجرين الملتزمين بالمثل الليبرالية (التي لا تؤمن بأحقية المقاومة والتحرر).
فالليبراليون يدعمون سياسات الهجرة من البلدان التي لديها قيم غير ليبرالية (من مجتمعات محافظة)، بشرط أن يكون دينهم ليس أكثر من هوية ثقافية (طقوس فقط). وفق هؤلاء، أن تكون أميركياً، يعني أن تجرد نفسك من دينك، وأن تُعاد صياغتك بحيث تقدس الفردانية والقيم الليبرالية فلا تعود فلسطين تعني لك شيئّاً وترضى بإبادة شعبها ولا تحرك ساكنًا.
إذاً، تشهد أميركا أزمة هوية حيث أصبحت بابل العصر الحديث، على حد تعبير الوزير لويس فراخان. هناك اضطراب حاد بين من يؤيد ومن يعارض القضايا التالية: الشذوذ الجنسي ، نزعة الاستهلاكية، تفكيك الأسرة، جرائم الاحتلال الصهيوني في فلسطين، الخ.
نرى بأن بيل جيتس، فايزر، ول ستريت، روتشيلد، غولدمان ساكس، أيباك، مونسانتو، والعديد من الشركات حمت مصلحتها المالية والسياسية على حساب الشعب الأمريكي الذي يكابد من البطالة والفقر. سئم الشعب الأمريكي فهو بالكاد يستطيعون دفع الضرائب التي تُستخدم لقتل أكثر من 10,000 طفل في غزة منذ السابع من فبراير. هذا الشعور باليأس أثَّرَ بشدة على بوشنل، الذي عندما أدرك أنه سَيُستَغَل لتنفيذ الإبادة الجماعية الصهيونية في غزة مع القوات الجوية الأمريكية، قرّر أنّه لن يموت من أجل مصلحة إسرائيل، ولكن من أجل غزة.
سيستمر هذا اليأس حتى ينتفض كل الشعب الأمريكي بوجه اليبرالية واللوبي الصهيوني. فالسياسة الرسمية هي انعكاس للفساد الذي غرق فيه الشعب، فالفساد الذاتي يجعل الناس أغبياء مطيعين، وبالتالي يسهل للطغاة السيطرة عليهم.
لكل أولئك الذين يسعون إلى عالم أفضل -رغم أنَّ وفاته كانت مؤلمة- إلا أنَّ بوشنيل يعتبر بطلًا. نحن كشعوب غرب آسيا لا نكره الشعوب بل نكره السياسة الغربية المقيتة، نكره الصهاينة والإمبرياليين، نكره الليبراليين الذين ينظرون إلى الضرائب المفروضة على شعوبهم كممول للمدافع في حروبهم الصلبة وحروبهم الناعمة.
في حين أنَّ موقف بوشنل هو لإيقاظ الناس، فإنَّ الأمل هو أن يقوم العاقلون في الغرب وأمريكا باتخاذ مواقف جريئة ضد أنظمتهم الشيطانية دون إنهاء حياتهم مثل الهجرة إلى بلدان لا تقوم على قيم ليبرالية ملحدة. وقد حذر مؤخراً الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من هذه المؤامرة، حيث أصدر تعليماته مؤخراً إلى خدمات الهجرة لوضع خطة للسماح للأجانب الذين يسعون إلى العيش في مجتمع قائم على القيم الدينية التقليدية بالقدوم للعيش في روسيا.