تعتبر المنطقة في الشرق الأوسط، بوجودها الاستراتيجي والجغرافي، من بؤر التوتر الدائم والصراعات المتشعبة، ومن بين هذه الصراعات، تبرز صراعات الوكالة التي تجمع بين الجمهورية الإسلامية في إيران وأميركا والكيان الصهيوني، حيث تتدخل كل دولة لصالح جهة معينة في نزاع بين طرفين آخرين.
وفي ظل هذا السياق، يظهر تفادي الحروب الشاملة والواسعة النطاق من قبل جميع الأطراف، فإيران، التي تسعى لدور قوي في المنطقة، تدرك جيدًا أن تصعيد النزاعات إلى حروب شاملة لن يخدم مصالحها الإقليمية والدولية، بل قد يعرضها لمخاطر أكبر، وبالمثل، فإن الولايات المتحدة تفضل البحث عن حلول دبلوماسية وتجنب المواجهات المسلحة التي قد تعرّض استقرار المنطقة للخطر، وكذلك الكيان الصهيوني، التي تعتبر إيران تهديدًا مباشرًا لأمنه، تفضل التصعيد بشكل محدود وتحت غطاء السرية، بدلاً من الانخراط في حروب شاملة يصعب التنبؤ بنتائجها. وبالتالي فمن المؤكد حتى الآن أنه لا إيران ولا الولايات المتحدة الأمريكية ولا الكيان الصهيوني يريدون حرباً شاملة واسعة، ولا سيما وأن الرئيس جو بايدن الذاهب إلى انتخابات رئاسية صعبة في الخريف يدرك أن أي حرب مع إيران سيدمر فرصته الانتخابية، إن لم يستطع التوصل إلى اتفاق أو نوع من التفاهم مع طهران.
ولقد لجأت الدول في المنطقة إلى الاشتباكات بطريق الوكالة كوسيلة للتصعيد والرد على التحديات دون الوصول إلى حرب شاملة، فعلى سبيل المثال، بعد اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني الشهيد قاسم سليماني، اختارت إيران الرد بقصف قاعدة عسكرية أميركية في العراق، مما أدى إلى تكوين ضرر مادي دون تصعيد الأمور إلى مستوى الحرب الكبرى، وإذا ما قرأنا هذا الاغتيال للقائد سليماني وهو أهم بكثير ممن جرى اغتيالهم في القنصلية، نرى أنه من الممكن أن يكون الرد بطريق الوكالة حتى لا تدخل الأطراف في حرب شاملة لا يُحمد عُقباها، دون أن يعني ذلك أن الرد الإيراني لن يكون مؤثراً، بل سيكون له من التأثير ما سيجعل من الكيان الصهيوني ومن ورائه الولايات المتحدة تدفع ثمناً غالياً جراء فعلتهم.
في الوقت الحاضر، تبقى الأطراف المعنية تعمل على الرد على التحديات بشكل محدود وضمن حدود معينة لتفادي الانزلاق نحو حروب شاملة، وعلى الرغم من ذلك، يبقى الوضع دقيقًا ومتقلبًا، حيث يتأثر بالظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية في كل دولة على حدة.
ومن الواضح أن الصراعات في المنطقة لن تنتهي قريبًا، وقد تستمر الاشتباكات بطريق حرب الوكالة والتوترات المحلية في النشوء والانحسار بحسب تطورات الأحداث، ولا سيما وأن الصراع الأمريكي الإيراني الإسرائيلي يعكس توترات وتنافسات جيوسياسية وأمنية في المنطقة، وهو ذو تأثيرات متشعبة على الشرق الأوسط والعالم بأسره، وفيما يلي نورد بعض النقاط الرئيسية حول هذا الصراع:
- البرنامج النووي الإيراني: إيران تثير قلقًا في الولايات المتحدة وإسرائيل بسبب برنامجها النووي، حيث ترى الولايات المتحدة وإسرائيل أن هذا البرنامج يشكل تهديدًا للأمن الإقليمي والدولي.
- التدخلات الإيرانية في المنطقة: إيران تشتبك بسياساتها الإقليمية مع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، حيث تدعم جماعات المقاومة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، مما يزيد من التوترات في المنطقة.
- التحالفات والتوترات الإقليمية :يؤثر الصراع بين الولايات المتحدة وإيران والكيان الصهيوني على التوازنات الإقليمية، ويشكل عاملًا رئيسيًا في تكوين التحالفات وتعميق الانقسامات في الشرق الأوسط.
- الأمن القومي والاستقرار الإقليمي :يعتبر كل من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني النفوذ الإيراني في المنطقة تهديداً لأمنهما القومي والاستقرار الإقليمي.
- الجهود الدبلوماسية والعسكرية: تتباين الاستراتيجيات بين الولايات المتحدة وإسرائيل في التعامل مع إيران، حيث تستخدم الولايات المتحدة الضغط الدبلوماسي والعقوبات الاقتصادية بينما يرفض الكيان الصهيوني التساهل مع أي تهديد محتمل من إيران.
في النهاية، يعكس الصراع الأمريكي الإيراني الإسرائيلي تنافسات القوى والمصالح في المنطقة، ويظل موضوعاً حساساً يتطلب تنسيقاً دولياً متوازناً للحفاظ على السلم والأمن الإقليميين، كما أنه من الضروري بذل الجهود الدبلوماسية والسياسية لإدارة هذه الصراعات وضبط التوترات بهدف تفادي الحروب الشاملة التي قد تكون لها عواقب وخيمة على الجميع.