(( جامعة كولومبيا أشعلت طوفان جامعات العالم ))
من لوس أنجلس إلى نيويورك، مرورًا بجامعات أوستن وبوسطن وشيكاغو وأتلانتا، تتسع حركة الطلاب المناصرة للقضية الفلسطينية، رغم ممارسة الشرطة الاتحادية قمعا غير مسبوق ضد المحتجين الذين يقولون إن سلطات إنفاذ القانون تعامل المعتصمين كمجرمين لا كطلاب اختاروا أن يعبروا عن رأيهم في بلد يؤكد أن الدستور يكفل هذا الحق ويحميه.
ففي الوقت الذي تعتبر فيه الجامعات الملاذ الآمن لحرية التعبير والنقاش العقلي، تشهد الجامعات الأمريكية حالياً حراكاً متصاعداً يشير إلى انزعاج واضح بين الطلاب بشأن القضية الفلسطينية وعلاقة مؤسساتهم التعليمية بالكيان الصهيوني.
في نيسان الجاري، اجتاحت عناصر الشرطة حديقة جامعة كولومبيا بنيويورك، لتفريق اعتصام سلمي كان يقيمه طلاب ينادون بوقف العنف الإسرائيلي في غزة ويطالبون بقطع العلاقات المالية مع الكيان الغاصب، وهذه الصورة المروعة تذكرنا بأيام المظاهرات الطلابية ضد حرب فيتنام.
ولكن هذا النضال الطلابي لم يقتصر على جامعة كولومبيا فقط، بل طال جامعات أمريكية أخرى، بل واستجابت له أيضاً جامعات العالم معلنة عن طوفانٍ مناصر لفلسطين ومنددة بحرب الإبادة الجماعية التي يمارسها الكيان الصهيوني، ولكن بالمقابل أيضاً كانت الاستجابة من السلطات متسارعة وعنيفة، وذلك برد قمعي ينذر بمستقبل مظلم لحرية التعبير في الجامعات الأمريكية وجامعات العالم.
ففي جامعة كولومبيا، بدأ الطلاب اعتصاماً مفتوحاً في 17 نيسان للتنديد بالعلاقات المالية مع الكيان الصهيوني، وكذلك الاحتجاج على العنف في غزة، وفي ظل هذا الاعتصام، استجوب الكونغرس رئيسة الجامعة بتهمة “معاداة السامية في الحرم الجامعي”.
أما بالنسبة لرد الجامعة فقد كان استدعاء الشرطة لفض الاعتصام بدعوى أنه يشكل خطراً على الأداء الجامعي، مما أسفر عن اعتقال أكثر من 130 طالباً، كما هدد الطلاب بإجراءات انتقامية، ما خلق حالة من الرعب خاصة بين الطلاب الأجانب.
وبالرغم من القمع، لم يستسلم الطلاب وعادوا للاعتصام مجدداً، مطالبين بكشف الجامعة عن استثماراتها مع الكيان الصهيوني والعفو عن زملائهم المعتقلين.
ولقد تباينت ردود الفعل حيث أيد الرئيس جو بايدن حرية الاحتجاج لكنه أدان ما اعتبره “شعارات معادية للسامية” في الاحتجاجات، حيث وفي سياق الطوفان الجامعي الرافض لحرب الإبادة الجماعية في غزة، انكشف وجه القادة الأمريكيين الحقيقي، الذين بدأوا الاستجابة لنداءات كيان الاحتلال ونتنياهو عبر حملة شيطنة واتهامات للحراك بمعاداة السامية، حيث قال الرئيس جو بايدن إنه يدين كلا من الاحتجاجات المعادية للسامية وأولئك الذين لا يفهمون ما يحدث مع الفلسطينيين، فيما وصف الرئيس السابق دونالد ترامب، المرشح الجمهوري لانتخابات 2024، وضع الاحتجاج في الحرم الجامعي بأنه فوضى، وألقى باللوم على بايدن.
كما أن هذه الاحتجاجات أثارت ردود فعل دولية، حيث اعتبر رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي هذه المظاهرات “معادية للسامية”، بينما وصف وزير دفاع الكيان الإسرائيلي التحركات بأنها “تحريض على الإرهاب” ، وتلك مفارقة عجيبة عندما يلبس الذئب ثوب الحمل الوديع ويُطلَق لسان الجاني في مقابل إسكات كلمة حق أراد مناصرو المجني عليه إطلاقها في أمكنة كانت تعتبر ملاذاً آمنا لحرية التعبير، فانكشف بذلك ما تتشدق به الولايات المتحدة وغيرها من الدول الأوروبية من حرية وديمقراطية مزعومة.
ولكن رغم كل ما سبق فإن أكثر ما يثير الاهتمام هو انتقال هذه الاحتجاجات إلى جامعات أمريكية أخرى، مما يشير إلى تواصل الدعم والتضامن مع القضية الفلسطينية واستنكار القمع الذي تتعرض له الجامعات.
وها هي وقد تحولت جامعة كولومبيا والتي قادت شرارة طوفان الجامعات المناصرة لفلسطين حول العالم كـالشوكة في حلق النظام الأمريكي العنصري المنحاز لعدوان الكيان الصهيوني على غزة مع كامل الغطاء السياسي والعسكري، على الرغم من كل الدمار والشهداء والمفقودين والجرحى وما حلّ في القطاع من أوضاعٍ مأساوية لم تحرك ضمير العالم ولا ضمير قادة أمريكا، فإن هذا النضال يسلط الضوء على صراع الطلاب من أجل العدالة وحقوق الإنسان، ويذكرنا بضرورة تأمين مساحات آمنة للحوار والنقاش في الجامعات، وبأهمية التضامن الدولي في دعم القضايا العادلة.