تلقت القاهرة أنباء الهجوم الكبير الذي نفذته المقاومة الفلسطينية على المستوطنات الإسرائيلية في غلاف قطاع غزة بنوع من الذهول والارتباك، حيث وجدت نفسها في وضع معقد جداً، فمصر تعاني من أزمة اقتصادية كبيرة وترتبط بمعاهدة سلام مع إسرائيل وبينهما تعاون في مجالات متعددة، كما أنّها حليف مهم للولايات المتحدة الأمريكية وبنفس الوقت تربطها علاقات جيدة بروسيا، علاوة على أنها تمتلك شريان الحياة الوحيد والذي هو معبر رفح القادر على بث الحياة في قطاع غزة من خلال إدخال المساعدات وإيصال الحاجات الرئيسية للسكان. وأيضاً هناك علاقة بين مصر وحركة حماس من خلال تفاهم يقضي بالتعاون بين الطرفين في مكافحة الإرهاب في سيناء وتخفيف الحصار المفروض على غزة.
مصادر مطلعة أكدت أنّ مصر كانت على علم بأن المقاومة الفلسطينية تحضر لهجوم كبيرعلى إسرائيل وأنّ حماس تنسق مع جهات إقليمية للاستعداد والتحضير من خلال الدعم بالأسلحة والذخائر وما يلزم لإنجاح الهجوم، فحاولت مصر تجنب ذلك من خلال الضغط على الجناح العسكري لحركة حماس والامتناع عن القيام بالهجوم على الأقل في الوقت الراهن آخذة بالاعتبار وجود حكومة يمينية متطرفة مأزومة تريد خلط الأوراق في المنطقه وتصدير أزماتها من أجل إنقاذ نفسها، بالإضافة إلى تحذير الكيان الإسرائيلي من ممارساته الاستفزازية وأنّ الرد الفلسطيني سيكون عنيفاً جداً.
ردة الفعل الإسرائيلي الوحشية والانتقام الهمجي أدى إلى كارثة وخاصة بعدما اتضح المخطط الإسرائيلي بتفريغ قطاع غزة من سكانه وتهجيرهم قسراً إلى سيناء، حيث تم قصف معبر رفح عدة مرات بغية خلق فوضى على الحدود مع مصر وإجبار الفلسطينيين على الهروب واللجوء إلى مصر.
وبينما إسرائيل تقوم بالإبادة الجماعية والتطهير العرقي في غزة وتعمل على التهجير القسري للفلسطينيين، كانت الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلفها أوروبا تمارس ضغوطاً على مصر من أجل فتح معبر رفح والسماح للفلسطينيين بالدخول إلى مصر، متبعة سياسة الترغيب والترهيب. فهمت مصر هذه التحركات المشبوهة وأنّها إحياء لمخطط قديم يجري العمل عليه الآن وتحقيقه
بالنسبه لمصر، تهجير الفلسطينيين وتوطينهم في سيناء سيخلق مشكلة كبيرة، حيث ستنتقل المقاومة إلى سيناء وتفعل دورها النضالي من جديد وهذا ما سيمنح إسرائيل ذريعة لاجتياح سيناء ومواجهة المقاومة الفلسطينية.
الرأي العام المصري على وشك الانفجار، فالمواطن الذي يعاني من الأزمة الاقتصادية وجد نفسه أمام أزمة ومشكلة خطيرة تمس الأمن القومي المصرين، وكاد الوضع ينفجر بسبب الجرائم الوحشية التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي في غزة. هنا قررت القيادة المصرية مواجهة المخطط الإسرائيلي وتبني الرأي العام المصري الغاضب، وتجلى هذا بسماحها وللمرة الأولى منذ عقود بالتظاهرات المنددة بوحشية الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه الفظيعة بحق الشعب الفلسطيني.
القيادة المصرية رفضت كل الضغوط التي مورست من أجل تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، كما رفضت السماح للأجانب العالقين بعبور الحدود هرباً من القصف الإسرائيلي العنيف قبل دخول المساعدات إلى قطاع غزة.
مواقف القيادة المصرية والصلابة التي أظهرتها في رفض التهجير ورفض السماح بمرور الأجانب بدون دخول المساعدات، رفع من شعبية القيادة المصرية، وننتظر المزيد من مصر ونأمل استعادتها لدورها الريادي والقيادي للأمة العربية.