قرار الهزيمة

قرار الهزيمة

يشكل السادس والعشرين من كانون الثاني لعام ألفين وأربعة وعشرين منعطفاً أساسياً ونقطة تحول تاريخي في قضاء محكمة العدل الدولية – تلك المؤسسة الدولية التابعة للأمم المتحدة والتي تُعنى في الفصل بالنزاعات بين الدول – كونه يضع وللمرة الأولى الكيان الصهيوني المجرم موضع الاتهام بجرائم الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة أمامها.

ورغم أن النزاع المعروض أمامها لا يرقى إلى نزاع دول كون هذا الكيان كيان محتل وكون المقاومة الفلسطينية تمثل في حقيقتها حركة لا ترقى إلى وصف الدولة ومع ذلك فقد نظرت هذه المحكمة بالدعوى المرفوعة ضد هذا الكيان المجرم وأصدرت قرارها في تلك القضية.

إن الكيان الصهيوني وعبر تاريخه الطويل على هذه الأرض والمتسم بالإجرام والتضليل للرأي العام الدولي، كان للأسف خارجاً عن القوانين والأعراف الدولية لأنه لم يكن يوماً من الأيام ممتثلاً لأي قرار صادر عن الأمم المتحدة أو مجلس الأمن أو غيره من المؤسسات الدولية، والسبب في ذلك وقوف اللوبي الصهيوني المتحكم بأروقة السياسة الدولية إلى جانبه وبشكل لا محدود وذلك عبر منصاته الفاعلة في تلك المؤسسات وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.

فقرارات الأمم المتحدة تدين هذا الكيان سواء فيما يتعلق بسياسة العنصرية تجاه الشعب الفلسطيني أو فيما يتعلق بضم الجولان السوري المحتل أو المناطق المحتلة في جنوب لبنان، إلا أنه لم يكن لتلك القرارات أي قيمة بسبب التبني اللامحدود من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ومَن يحذو حذوها من الدول القريبة لهذا الكيان وجرائمه والتي كانت تذهب أدراج الرياح، وحيث إنه لم يكن للكثير من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أي مسلك مناهض لهذا التبني بسبب الهيمنة المطلقة للولايات المتحدة ومن ورائها الدول الغربية على مفاصل الاقتصاد العالمي واقتصاديات تلك الدول وبالتالي الهيمنة على قراراها السياسي على الصعيد الدولي، لذا فإن مثول هذا الكيان المجرم هذه المرة أمام المحكمة يعتبر تحولاً استراتيجياً في قضائها كونها المرة الأولى التي ترفع فيها الدعوى على هذا الكيان بتهم قتل المدنيين والإبادة الجماعية بحق الشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة رغم جعجعة الولايات المتحدة وغيرها معترضة على هذه الدعوى ووصفها بأنها لا أساس لها.

إن هذا القرار الذي صدر عن محكمة العدل الدولية بهذا الشأن والذي وصفه بعض المحللين السياسيين والقانونيين الدوليين أنه بمثابة قرار دبلوماسي أكثر منه قرار قضائي، إلا أنه رغم ذلك يعتبر هزيمة قانونية كبرى لهذا الكيان بكل ما في الكلمة من معنى، وبالتالي فإنه إضافة لما أوصى به هذا الكيان من ضرورة اتخاذ تدابير لحماية المدنيين فإنه يرتب على عاتق الدول الداعمة لهذا الكيان وعلى رأسها الولايات المتحدة مسؤوليات كبرى من أجل الإسراع في إيجاد حل لوقف تلك الجرائم التي يقوم بها هذا الكيان بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وإدخال المساعدات إليه.

وكعادته دائماً وباعتبار أنّ أي قرار يدينه إنما يندرج تحت معاداته للسامية، فقد سارع هذا الكيان وعلى لسان وزير أمنه باعتبار المحكمة معادية للسامية كما وصف رئيس حكومته هذا القرار بأنه غير عادل.

ورغم كل ما سبق فإن هذا القرار والذي يقضي باتخاذ ما يلزم لحماية المدنيين ومنع الإبادة الجماعية بحق الشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة واتخاذ تدابير فعالة لإدخال المساعدات إليه إلا أنه لا يدعو إلى الهدنة الأمر الذي يدعو إلى التساؤل: كيف يمكن حماية المدنيين ومنع الإبادة الجماعية دون أن يكون هناك هدنة أو وقف لأعمال العدوان.

إن قضاء هذه المحكمة يقضي في قراراتها عادة إمهال الطرف المُدان مدة أسبوع فقط لتنفيذ التزاماته، إلا أنه ونتيجة للضغوط السياسية الدولية فقد تم إمهال هذا الكيان المجرم مدة شهر كامل لتنفيذ التزاماته.

ولا يخفى ما كان للتعاطف من قبل بعض الدول مع قضية الشعب الفلسطيني من أثر بالغ أمام هذه المحكمة، إضافة لِما قامت به جمهورية جنوب إفريقيا من دور كبير بهذا الشأن.

وخلاصة القول: فإن صدور هكذا قرار من مؤسسة دولية هامة والذي يشير إلى جرائم هذا الكيان وللمرة الأولى في تاريخها يبشر بانحسار الهيمنة القطبية الأحادية على مؤسسات المجتمع الدولي ويأذن بولادة استراتيجية دولية جديدة سئمت الهيمنة الغربية وتحكمها بسيادة الدول وقرارها السياسي وبمصير شعوبها.

واتس اب
فیس بوک
تیلجرام
ایکس
مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اخر أخبـــار
سياحة وتجوال