مفاوضات الدوحة في ظل تصعيد القصف الإسرائيلي على غزة

مفاوضات الدوحة1

تعيش منطقة الشرق الأوسط فترة من التوترات الحادة والتصعيدات العسكرية التي تتجلى بشكل خاص في قطاع غزة، حيث تشتد الغارات الإسرائيلية في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى العاصمة القطرية الدوحة، والتي تحتضن جولة جديدة من المفاوضات بهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار.

والجدير بالذكر أن مفاوضات الدوحة تجري بغياب طرف رئيسي في الصراع وهو حركة حماس، التي ترفض المشاركة معتبرة أن إسرائيل تسعى لتحويل المفاوضات إلى مجرد حوار بلا نتائج ملموسة. ومع ذلك، يظل السؤال الملح: هل يمكن أن تحقق هذه المفاوضات نتائج تُسهم في إنهاء العنف المتصاعد أم أنها ستكون مجرد حلقة جديدة في سلسلة المفاوضات العقيمة؟

السياق الحالي: تصعيد إسرائيلي ومفاوضات غائبة عن الفاعلين الأساسيين

بينما تجري مفاوضات الدوحة بمشاركة الوفد الإسرائيلي والوسطاء الدوليين من الولايات المتحدة، مصر، وقطر، تستمر إسرائيل في تنفيذ عملياتها العسكرية في غزة. حيث شهدت الأيام الأخيرة تصعيدًا ملحوظًا في الهجمات الجوية الإسرائيلية، التي استهدفت وسط وجنوبي القطاع، بالإضافة إلى تدمير منازل في حي الزيتون بغزة. هذا التصعيد يضع الوسطاء أمام تحدٍ كبير، حيث يبدو أن هناك فجوة واسعة بين ما يجري على الأرض وما يتم بحثه على طاولة مفاوضات الدوحة.

تأتي مفوضات الدوحة في الوقت الذي تعتبر فيه حماس أن أي جولة تفاوضية ينبغي أن تركز على آليات تنفيذ الاقتراح الأمريكي الأخير، الذي تم تقديمه الشهر الماضي.

حماس ترى أن إسرائيل تسعى إلى إطالة أمد الصراع وتحويل المفاوضات إلى مجرد عملية تفاوض من أجل التفاوض، دون وجود نية حقيقية للوصول إلى حلول دائمة.

الخلافات الجوهرية: الفيتو الإسرائيلي والانسحاب من غزة

تشكل الخلافات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني العائق الأكبر أمام الوصول إلى اتفاق. فمن جهة، تسعى إسرائيل إلى الإبقاء على وجود قواتها في منطقة محور فيلادلفيا على الشريط الحدودي بين غزة ومصر، وهو أمر ترفضه حماس بشكل قاطع. بالإضافة إلى ذلك، ترغب إسرائيل في فرض حق الفيتو على أسماء الأسرى الفلسطينيين الذين سيتم الإفراج عنهم، وخاصة ذوي الأحكام العالية، بينما تصر حماس على أن أي اتفاق لوقف إطلاق النار يجب أن يشمل انسحابًا إسرائيليًا كاملًا من القطاع وضمان الإفراج عن جميع الأسرى دون قيود.

هذه الخلافات تعكس التباين الكبير في الأهداف والتطلعات بين الطرفين، حيث ترى حماس في انسحاب إسرائيل من غزة خطوة أولية نحو تحقيق هدفها الأكبر المتمثل في إنهاء الاحتلال، في حين تسعى إسرائيل إلى الحفاظ على وجود عسكري يضمن لها السيطرة الأمنية على المناطق الحدودية، ويحد من قدرات حماس العسكرية.

الدور الدولي والإقليمي: بين الوساطة والدعم للمقاومة

تلعب الأطراف الدولية والإقليمية دورًا حاسمًا في مفوضات الدوحة. فعلى الرغم من الدعم الذي تحظى به إسرائيل من قبل الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية، فإن هناك دولًا أخرى مثل قطر ومصر تسعى وبشكل خجول إلى لعب دور الوسيط من أجل تحقيق تسوية توقف نزيف الدم المستمر في غزة. ومع ذلك، فإن غياب الثقة بين الأطراف، بالإضافة إلى الأجندات المختلفة التي تحكم سياسات الدول الوسيطة، تجعل من الصعب تحقيق تقدم ملموس.

وفي هذا السياق، تتعالى أصوات محور المقاومة، الذي يعتبر أن إسرائيل تستغل الدعم الدولي والإقليمي لمواصلة حرب الإبادة الجماعية في غزة دون أن تواجه أي رادع حقيقي. وهذا المحور يصر على أن زوال الاحتلال الإسرائيلي هو الحل الوحيد لإنهاء معاناة الفلسطينيين، وهو موقف يتلاقى مع تطلعات الكثير من الشعوب العربية والإسلامية التي ترى في المقاومة السبيل الأوحد للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني.

السيناريوهات المحتملة: نحو سلام هش أم تصعيد متواصل؟

في ضوء الخلافات العميقة بين إسرائيل وحماس، والتصعيد العسكري المستمر على الأرض، تبدو فرص نجاح مفاوضات الدوحة ضئيلة. فإسرائيل لا تزال مصرة على تحقيق مكاسب أمنية على حساب الفلسطينيين، بينما تعتبر حماس أن أي تنازل في هذه المرحلة قد يؤدي إلى إضعاف موقفها التفاوضي في المستقبل.

إذا استمرت مفاوضات الدوحة بدون نتائج ملموسة، فإن السيناريو الأقرب هو استمرار التصعيد العسكري، الذي قد يمتد ليشمل مناطق أخرى في المنطقة، مما يعقد الوضع الأمني والسياسي أكثر. وفي المقابل، إذا ما تم التوصل إلى اتفاق مؤقت، فقد يكون هذا الاتفاق هشًا وغير قابل للصمود في وجه التحديات المستقبلية، خاصة إذا لم يتم معالجة جذور الصراع المتعلقة بالاحتلال وحقوق الفلسطينيين.

وختاماً: هل تُثمر الجهود الدبلوماسية في وقف نزيف الدم؟

تظل مفاوضات الدوحة فرصة، وإن كانت ضئيلة، لتحقيق تقدم نحو وقف إطلاق النار في غزة. لكن النجاح في تحقيق ذلك يعتمد بشكل كبير على مدى استعداد الأطراف للتخلي عن مواقفها المتشددة والقبول بحلول وسطية. ومع استمرار القصف الإسرائيلي وتصاعد العنف، يبدو أن الوضع يتجه نحو مزيد من التصعيد، ما لم يتمكن الوسطاء من إحداث اختراق حقيقي في هذه الأزمة. في النهاية، تظل معاناة الشعب الفلسطيني وصمود المقاومة عوامل أساسية في تحديد مسار الأحداث، وتبقى أعين العالم متجهة في انتظار ما ستسفر عنه مفاوضات الدوحة من نتائج، فقد تكون إما خطوة نحو السلام الهش أو مجرد محطة في صراع طويل ومستمر.

واتس اب
فیس بوک
تیلجرام
ایکس
مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اخر أخبـــار
سياحة وتجوال