عندما نتحدث عن السيطرة اليمنية العروبية على البحر الأحمر واستخدامه للضغط على العدو الإسرائيلي لوقف عدوانه على قطاع غزة، يتعين علينا أولاً فهم السياق الإقليمي والدولي لهذه القضية، فالحوثيون، الذين يشكلون حركة مقاومة مسلحة في اليمن، قد وصلوا إلى سيطرة جزئية على الساحل الغربي لليمن وعلى مضيق باب المندب الحيوي، الذي يربط البحر الأحمر بالمحيط الهندي، وهذه المنطقة تعتبر استراتيجية للغاية بسبب مرور العديد من السفن التجارية والناقلات النفطية عبرها.
وبالنظر إلى هذه السيطرة الاستراتيجية، أمكن للحوثيين استخدامها كوسيلة للضغط على الدول والجهات الدولية الداعمة الكيان الصهيوني، كما يُعَد ما قام به الحوثيين من قطع لخطوط الملاحة في مضيق باب المندب والتأثير على حركة الملاحة البحرية بالغ الأهمية بالنسبة للدول الداعمة للكيان الغاصب و التي تعتمد على تلك الخطوط لنقل النفط والبضائع.
ولا بد لنا من أن نشير إلى أن العلاقات بين الحوثيين و الكيان الإسرائيلي لم تكن يوماً ما ودية على الإطلاق، فالحوثيون يتبنون فكرة معاداة إسرائيل وينظرون إليها على أنها كيان عدواني يقوم بانتهاك حقوق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
ورغم ما واجهه قطع خطوط الملاحة في مضيق باب المندب من تحديات كبيرة وانتقادات دولية شديدة، ورغم ما قد تؤدي إليه مثل هذه الإجراءات من تصعيد الصراع في المنطقة بأكملها، وما يترتب عليه من تأثير سلبي على الاقتصاد العالمي بشكل عام، كان استخدام البحر الأحمر كوسيلة للضغط على إسرائيل لوقف عملياتها العسكرية في غزة بسبب ما سيرتبه عليها ذلك من تأثير سلبي محتمل طال اقتصاد الكيان الإسرائيلي المحتل وأمنه القومي، وعلاوة على ذلك، يمكن لمثل هذه الإجراءات أن تجذب انتباه القوى الإقليمية والدولية الأخرى التي تحاول الحفاظ على استقرار المنطقة، والقوى الإقليمية والدولية التي تسعى للحفاظ على أمن الكيان المحتل، وتفرض عليها بشكل أو بآخر أن تتدخل لوقف العدوان الغاشم على غزة وإن لم يكن بدوافع إنسانية فسيكون على الأقل حفاظاً على أمن الكيان الغاصب.
ورغم ما قد يؤدي إليه ذلك من تشديد العقوبات الدولية على الحوثيين وزيادة الضغوط عليهم، إلا أن اليمن وبكل جدارة وإصرار وتحدي أخذ على عاتقه حمل راية العرب والعروبة ليعيد للإنسانية بريقها ويرسم تاريخاً جديداً تحت عنوان العزة والكرامة والحرية العربية، صابراً على طعنات القريب قبل الغريب فكان له بذلك الفخر والصدارة.
ولم يقف الأمر عند حد إغلاق المجال البحري في وجه العدو الصهيوني والسفن التابعة له، فقد امتد ذلك ليشمل هجمات شنتها القوات المسلحة اليمنية الموالية لأنصار الله الحوثيين على إسرائيل بهدف الضغط على إسرائيل لوقف عدوانها على قطاع غزة التي قتل فيها أكثر من 27 ألف فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال، واشتملت الهجمات
على عمليات قصف لجنوب الكيان المحتل باستخدام الصواريخ البالستية و الجوالة و الطائرات المسيرة، كما شنت هجمات على السفن الإسرائيلية باستخدام المسيرات البحرية والصواريخ البحرية واحتجزت سفينة واحدة على الأقل، وفي 9 ديسمبر أعلنت منع مرور جميع السفن من جميع الجنسيات المتوجهة من وإلى الموانئ الإسرائيلية إذا لم تدخل احتياجات قطاع غزة من الدواء والغذاء، لتقوم الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة بشنّ سلسلة هجمات على مناطق سيطرة حركة أنصار الله في اليمن ردا على استهداف السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وعلى إثر الهجمات الأمريكية والبريطانية على اليمن أعلن قائد حركة أنصار الله عبد الملك الحوثي حمل لواء الدفاع عن الكرامة العربية فقام بتوسيع دائرة الاستهداف لتشمل السفن الأمريكية والبريطانية.
كل هذا أدى إلى تعطيل وصول السفن إلى ميناء إيلات الإسرائيلي ما تسبب بوقفٍ شبه كلي للميناء، في حين قامت كبرى شركات الشحن البحري بوقف رحلات سفنها في البحر الأحمر مثل شركات ايه بي مولر ميرسك الدنماركية، سي إم ايه الإيطالية، سي إم ايه – سي جي إم الفرنسية، في حين أعلنت بعض الشركات عن رسوم إضافية على البضائع التي تنقلها من وإلى الشرق الأوسط كشركة هاباغ لويد الألمانية، بينما اتخذت بعض الشركات مثل أورينت اوفرسيز كونتينر لاين، قرار بوقف التعامل مع البضائع الإسرائيلية تجنبًا للهجمات، في حين اتخذت شركة إيفرغرين التايوانية قرار وقف التعامل مع البضائع الإسرائيلية وتعليق الملاحة في البحر الأحمر.
وأخيراً لا بد أن يستمر الحوثيون وغيرهم ممن يدخلون تحت خط محور المقاومة بشكل متتابع في ممارسة الضغط على الكيان المحتل وداعميه لوقف حرب الإبادة الجماعية في غزة، وخاصة وأنهم أغرقوا الحلم الصهيوني في المنطقة وحطموا الوهم المزعوم للولايات المتحدة الأمريكية في العالم.