في الوقت الذي تتعرض فيه غزة لأبشع أنواع الانتهاكات، يقف العالم صامتًا، متفرجًا على مجازر تُرتكب بحق الأبرياء، وكأن الأمر لا يعنيه. هذا الصمت المريب ليس فقط دليلًا على ضعف المجتمع الدولي، بل هو أيضًا شهادة على موت الضمير الإنساني الذي كان من المفترض أن يتحرك دفاعًا عن حقوق الإنسان وكرامته.
انتهاكات غزة: قصف المدارس والمرافق الطبية
تتجدد الاعتداءات على غزة بين الحين والآخر، وفي كل مرة تكون الخسائر البشرية هائلة، خاصة بين الأطفال والمدنيين. القصف الإسرائيلي يستهدف بشكل ممنهج البنية التحتية الحيوية للمدنيين، بما في ذلك المدارس والمستشفيات وسيارات الإسعاف. هذه الهجمات ليست مجرد أعمال عنف عشوائية، بل هي جزء من سياسة إسرائيلية متعمدة تهدف إلى تدمير أي بادرة للحياة الطبيعية في القطاع، وزعزعة استقرار سكانه على المستوى النفسي والاجتماعي.
الصمت الدولي: موافقة ضمنية أم ضعف في الإرادة؟
في ظل هذه الانتهاكات، يظل العالم في حالة من الصمت المريب. الصمت الدولي تجاه ما يحدث في غزة يُعتبر بمثابة موافقة ضمنية على هذه الأعمال، ويشير إلى موت الضمير الإنساني.
الدول الكبرى، التي تتحكم في قرارات مجلس الأمن الدولي، ومنظمات حقوق الإنسان العالمية، لم تتحرك لمحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم، بل اكتفت في معظم الأحيان بإصدار بيانات إدانة عامة وغير ملزمة.
إن صمت المجتمع الدولي وعدم اتخاذه إجراءات فعالة لوقف هذه الانتهاكات يبعث برسالة مفادها أن حياة الفلسطينيين أقل قيمة من غيرهم، وأن إسرائيل تتمتع بحصانة غير معلنة تسمح لها بفعل ما تشاء دون الخوف من العواقب.
التحليل السياسي للوضع الراهن
السياسة الإسرائيلية في غزة ليست وليدة اللحظة، بل هي جزء من استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى فرض أمر واقع جديد على الأرض. من خلال تدمير البنية التحتية، وإضعاف الروح المعنوية للسكان، تأمل إسرائيل في إرغام الفلسطينيين على القبول بواقع الاحتلال والتخلي عن مطالبهم بالحرية والكرامة.
هذه السياسة تجد دعمًا ضمنيًا من بعض القوى الدولية، التي تتغاضى عن الانتهاكات الصارخة بحجة “الدفاع عن النفس”. ولكن هذا الدفاع عن النفس لا يمكن أن يبرر قصف المدارس والمرافق الصحية، ولا يمكن أن يبرر قتل الأطفال والمدنيين الأبرياء.
المجزرة الصباحية: جريمة جديدة في سجل الاحتلال
في الفجر، استيقظ العالم على مجزرة جديدة ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في غزة. هذه المجزرة التي أودت بحياة العشرات، جاءت لتضيف إلى سجل الجرائم الطويل الذي ارتكبته إسرائيل ضد الفلسطينيين، ولتؤكد على حقيقة أن هذا الصراع لم يعد يحتمل المزيد من الصمت الدولي.
إن هذه المجازر ليست مجرد أرقام تضاف إلى إحصائيات القتلى والجرحى، بل هي قصص لأسر تمزقت، وأطفال فقدوا مستقبلهم، وشعب يحاول البقاء على قيد الحياة وسط بحر من الدماء والدمار.
زوال الاحتلال: حقيقة أم أمنية؟
مع كل مجزرة ترتكبها إسرائيل في غزة، يتجدد الحديث عن قرب زوال الاحتلال. الفلسطينيون الذين يعانون منذ عقود من هذا الاحتلال، يرون في كل اعتداء جديد فرصة لتسليط الضوء على قضيتهم ومطالبهم بالحرية. ورغم أن الكثيرين يرون في زوال الاحتلال أمنية بعيدة المنال، إلا أن صمود الشعب الفلسطيني وإصراره على البقاء، يعززان من هذه الأمنية ويجعلانها أقرب إلى الواقع.
ولكن زوال الاحتلال لن يأتي بالصمت الدولي أو بالتغاضي عن الجرائم المرتكبة. بل يحتاج إلى تحرك حقيقي من المجتمع الدولي، وضغط مستمر على إسرائيل لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني.
المسؤولية الدولية وضرورة التحرك
المجتمع الدولي مطالب بالتحرك العاجل لوقف هذه الانتهاكات. يجب على الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي التحقيق في هذه الجرائم ومحاسبة المسؤولين عنها. كما يجب على الدول الكبرى، خاصة تلك التي تتمتع بعلاقات قوية مع إسرائيل، الضغط عليها لوقف هذه العمليات واحترام القانون الدولي الإنساني.
إن تحقيق العدالة للفلسطينيين ليس خيارًا، بل هو واجب أخلاقي وقانوني على المجتمع الدولي. إذا لم يتحرك العالم لوقف هذه الجرائم، فإننا نخاطر بفقدان ما تبقى من الضمير الإنساني، ونترك الباب مفتوحًا لمزيد من العنف والتدمير.
خاتمة
تبقى غزة جرحًا نازفًا في ضمير الإنسانية. قصف المدارس وسيارات الإسعاف ليس فقط انتهاكًا للقوانين والأعراف الدولية، بل هو أيضًا تحدٍ صارخ لكل قيم الإنسانية والأخلاق. الصمت العالمي يجب أن ينتهي، والمجتمع الدولي يجب أن يتحرك بحزم لإنقاذ أرواح الأبرياء ووقف دوامة العنف التي لا تنتهي. إن الوقوف مع الشعب الفلسطيني ليس مجرد قضية سياسية، بل هو أيضًا قضية أخلاقية وإنسانية. وإذا لم يتحرك العالم لإنهاء هذا الصراع، فإننا نكون قد تخلينا عن القيم التي تربينا عليها، ونكون قد سمحنا بموت الضمير الإنساني الذي كان من المفترض أن يحمي حقوق الجميع بغض النظر عن العرق أو الدين.