بأي ثمن؟ وماذا إن باعت؟
لطالما كانت إيران موضوعًا للنقاش والتشكيك منذ انتصار ثورتها الإسلامية في عام 1979. رغم أنها وقفت إلى جانب القضية الفلسطينية ودعمتها بشعارات ومواقف عملية، إلا أنها لم تسلم من الاتهامات والخيانة. هذه الاتهامات ليست جديدة، بل تزداد مع كل موقف أو حدث يُظهر تورطها أو دعمها للمقاومة في فلسطين والمنطقة.
إيران بين الماضي والحاضر: تغييرات جذرية
عندما كانت إيران تحت حكم الشاه، كانت الدولة حليفًا رئيسيًا للولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة. كان الشاه ركيزة أساسية للغرب في الخليج وآسيا. بعد الثورة، تغيرت السياسة الإيرانية بشكل جذري. حيث بدأت طهران بتبني مواقف مناهضة للغرب وإسرائيل، وسعت لتعزيز استقلالها عن القوى العظمى من خلال تطوير برامج نووية وتقنية وصناعية.
رغم كل ذلك، لم تكف القوى الإقليمية والدولية عن التآمر على إيران. فقد فرضوا الحصار، وأشعلوا الحروب، وسعوا لتدمير قدرتها الاقتصادية والعسكرية. لكن بعد 45 عامًا من الحصار والمؤامرات، لا تزال إيران صامدة بل أصبحت قوة إقليمية يُحسب لها ألف حساب.
تحالفات جديدة وتحديات قديمة
منذ سنوات، تعيش المنطقة تغيرات جذرية في موازين القوى والتحالفات. على سبيل المثال، قرار الأمير محمد بن سلمان بالتصالح مع إيران وسوريا شكّل منعطفًا استراتيجيًا. كما صرّح بأن الوهابية كانت بضغط أمريكي، مما يكشف عن تحول كبير في الرؤية السعودية تجاه الماضي والمستقبل.
ومع ذلك، تظل الاتهامات ضد إيران قائمة. حيث تتهم طهران ببيع المقاومة والتخلي عن فلسطين في صفقة مع الغرب. كما يروج البعض أن إيران تفاوض الولايات المتحدة وتستعد لبيع حزب الله وغزة. هذه الادعاءات، رغم أنها بلا أساس، تستمر في إشغال الرأي العام.
هل إيران ستبيع؟ ومن يدفع الثمن؟
من المنطقي أن نطرح السؤال: إذا كانت إيران ستبيع المقاومة، فمن الذي يستطيع دفع الثمن؟ وماذا ستكسب طهران من ذلك؟…. إيران التي صمدت لأكثر من أربعة عقود ضد أقوى القوى العالمية لن تسقط فجأة في فخ التنازلات. لقد وصلت إلى مكانة الدولة الفضائية والنووية، ونجحت في تطوير صواريخها وتقنياتها الدفاعية. كما أنها تصالحت مع السعودية، وحققت تقدمًا في علاقاتها مع تركيا ومصر.
إذا كانت إيران تسعى للتسوية مع الغرب، فما الذي ستجنيه؟… الغرب، الذي يمر بأزمات وانحسار، ليس في وضع يمكنه من تقديم ضمانات أو فوائد كبرى. الولايات المتحدة والغرب لم يساعدوا أي دولة في المنطقة على تحقيق نهضة. لم نرَ مصر أو الأردن أو غيرها من الدول التي راهنت على الغرب تحقق مكاسب استراتيجية طويلة الأمد.
ماذا لو باعت إيران؟
لنطرح افتراضًا غير واقعي: ماذا لو باعت إيران المقاومة؟ هل ستنتهي القضية الفلسطينية؟ بالطبع لا. فالقضية الفلسطينية أعمق من أن تتعلق بدولة واحدة أو حليف واحد. مصر باعت في اتفاقيات كامب ديفيد، ولم تنتهِ القضية. الأردن عقد اتفاقيات سلام، ولكن المقاومة لم تختفِ. العراق انهار، وسوريا تدمرت، لكن القضية الفلسطينية ظلت في صلب الاهتمام الدولي والعربي.
القضية الفلسطينية ليست مجرد قضية جغرافية أو سياسية، بل هي قضية إنسانية وأخلاقية تحرك الشعوب وتؤثر في قرارات الدول. وحتى إذا افترضنا أن إيران قررت بيع المقاومة، فإن حزب الله وحماس وبقية الفصائل لن تختفي. حزب الله، على سبيل المثال، أصبح قوة مستقلة تصنع أسلحتها وتدير عملياتها بدقة عالية. اليمن كذلك بات قوة إقليمية قادرة على التحكم في البحار وإنتاج أسلحة تفوق الصوتية.
المقاومة في فلسطين: واقع متجدد
حماس وبقية الفصائل الفلسطينية أثبتت أنها قادرة على التحرك والقتال حتى في أصعب الظروف. الانتفاضة في الضفة الغربية، والتصعيد الأخير في غزة، يثبت أن الشعب الفلسطيني لن يتخلى عن مقاومته. الأسلحة والتمويل ليست العوامل الوحيدة التي تحرك المقاومة. الإرادة الشعبية والقدرة على الابتكار هي ما يجدد المقاومة ويضمن استمراريتها.
حتى لو قررت إيران التخلي عن دعم المقاومة، فإن الفصائل الفلسطينية ستواصل نضالها. الدعم المادي قد يتأثر، لكن الإرادة الشعبية لن تتوقف. وإذا تغيرت التوازنات في الأردن أو مصر، فإن المقاومة ستجد دعمًا جديدًا يعيد التوازن إلى المنطقة.
سورية وإيران: التحالف الاستراتيجي
علاقة إيران مع سوريا تمثل بعدًا استراتيجيًا هامًا. حتى إذا قررت إيران التخلي عن المقاومة، فإن سوريا ستظل القاعدة والمحور للمقاومة. روسيا والصين لديهما مصلحة كبيرة في دعم سوريا، والسعودية ومصر لن يتمكنوا من التحرك بدونها.
سوريا، التي صمدت في وجه الحروب والتدمير، تظل واحدة من أعمدة محور المقاومة. وعلاقتها مع إيران أعمق من مجرد تحالف عابر، فهي علاقة استراتيجية قائمة على المصالح المشتركة والمبادئ.
هل تغريها التنازلات؟
إيران ليست في وضع يجبرها على بيع المقاومة. فلقد صمدت أمام الحصار والعقوبات، وحققت انتصارات استراتيجية في المنطقة. اليوم، الغرب يعيش حالة من الانحسار، والولايات المتحدة لم تعد تملك السيطرة الكاملة على الساحة الدولية. لذلك، لا يوجد ما يغري إيران لتقديم تنازلات للغرب.
في النهاية، إيران لن تبيع فلسطين ولا المقاومة. لم ولن تفعل، والمقاومة ستستمر.