في زمن تعقيدات الشرق الأوسط، برزت زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، إلى تركيا، كخطوة ذات دلالات استراتيجية تتعدى حدود الاجتماع الدبلوماسي العادي. حيث التقى هنية بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إسطنبول، لمناقشة الهجمات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية والأوضاع في غزة، بالإضافة إلى سبل ضمان توصيل المساعدات الإنسانية الكافية ودون انقطاع إلى قطاع غزة وكذلك دعم عملية السلام العادلة والدائمة في المنطقة.
وتأتي هذه الزيارة في سياق متشابك لأحداث تحتم على الفاعلين الإقليميين بذل المزيد من الجهود لإيجاد حلول للأزمات الدائرة في المنطقة، حيث إن حركة حماس تواجه تحديات أمنية وسياسية متعددة، بينما تواجه تركيا انتقادات داخلية وخارجية بشأن دورها في المنطقة، وبالأخص بالنسبة للعلاقات مع إسرائيل ودورها في الصراعات الإقليمية، وكل ذلك والحرب مستمرة في غزة، وكذلك المفاوضات التي رعتها كل من قطر ومصر قد وصلت إلى طريق مسدود، وهذا ما يمكنه أن يوضح سبب زيارة هنية في ظل ذلك كله في محاولة منه لإيجاد هامش جديد للتحرك السياسي، وليبرهن أن حركة حماس مازالت في صدر المشهد رغم كل الظروف الصعبة التي يمر بها السكان في قطاع غزة والضغوط التي تُمارس على الحركة.
ويبدو أن الزيارة تعكس رغبة تركيا في تعزيز دورها الإقليمي كوسيط محتمل في حل الصراعات، وخاصة فيما يتعلق بالنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وتأتي هذه الخطوة في ظل العلاقات التاريخية القائمة بين تركيا وحماس، والتي ترجع إلى الدعم التركي المتواصل للقضية الفلسطينية.
من جهة أخرى، تسعى حماس إلى تعزيز شراكاتها الإقليمية وتوسيع قاعدة دعمها الدولي، ويمكن أن تكون تركيا شريكًا استراتيجيًا مهمًا في هذا السياق، خاصة مع تعقيدات الوضع الإقليمي وضعف الجهود الدولية لحل النزاعات.
ومن الملفت للنظر أن تركيا تسعى لتعزيز الجهود الدبلوماسية المشتركة مع دول أخرى مثل مصر وقطر للتأثير على الأزمة الفلسطينية، وخاصة فيما يتعلق بالتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة ودعم جهود الإعمار وتعزيز عملية السلام.
كل ذلك وعلى الرغم من التعاون المحتمل بين تركيا وحماس، إلا أن العلاقات التركية – الإسرائيلية تظل إشكالية، وخاصة مع استمرار التوترات بين البلدين في عدة قضايا، بما في ذلك قضايا الأمن الإقليمي والقضايا الاقتصادية.
وباختصار وعند النظر إلى الوضع الحالي في تركيا، وتحديدًا فيما يتعلق بالعلاقات مع فلسطين وإسرائيل، سنرى ما يظهر بوضوح بأن الرئيس رجب طيب أردوغان يواجه انتقادات متزايدة بسبب دور تركيا الضعيف وغير المؤثر في المنطقة، إضافة إلى مواجهته لضغوط داخلية بخصوص التجارة مع إسرائيل.
في الوقت الذي يثير فيه موضوع التجارة مع إسرائيل جدلاً كبيرًا داخل تركيا، حيث لم تنقطع العلاقات التجارية مع إسرائيل منذ بداية الحرب، وهذا من شأنه أن يعرض أردوغان لانتقادات شديدة بسبب تأثير هذه العلاقات على نتائج الانتخابات المحلية، والتي قد تكون أحد الأسباب وراء تراجع حزب العدالة والتنمية وفشله في بعض المناطق.
ومن ثم تأتي الزيارة بين أردوغان وإسماعيل هنية وحركة حماس في هذا السياق، حيث يسعى الرئيس التركي إلى إظهار التزامه الثابت بدعم قضية الشعب الفلسطيني، والتأكيد على استمرار تقديم المساعدات إلى قطاع غزة. وتعكس هذه الزيارة رسائل واضحة من كلا الطرفين، حيث يؤكد أردوغان على ضرورة وقف إطلاق النار فورًا وتوحيد الصف الفلسطيني، مما يظهر التزامه بقضايا المنطقة وتأييده لفلسطين.
ومن هذا المنظور، يبدو أن هذه الزيارة تحمل أهدافًا ورسائلًا واضحة من الطرفين، حيث يسعى كلا من تركيا وحركة حماس إلى تحقيق أهدافها السياسية والإنسانية على الصعيدين الداخلي والإقليمي، ومع تعقيدات الوضع في المنطقة، يبقى الدور الذي ستلعبه تركيا وحركة حماس في المستقبل محل اهتمام ومتابعة. وختاماً يمكننا القول أن زيارة هنية إلى تركيا تبرز كخطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز الدور الإقليمي لكلا الطرفين في شرق الأوسط، وعلى الرغم من التحديات والاشكاليات، فإن التعاون بين تركيا وحماس قد يلعب دورًا مهمًا في مساعدة على حل الأزمة الفلسطينية وتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.