عودة التصعيد شمالًا
شهدت الساعات الأخيرة تطورات لافتة على الجبهة الشمالية بين الكيان الصهيوني ولبنان. حيث شنت المقاتلات الإسرائيلية غارات متتالية على عدة بلدات جنوبية في لبنان. هذه الغارات جاءت تزامنًا مع تصريحات لرئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي أشار إلى قرب بدء عملية واسعة النطاق في الجبهة الشمالية. ومع تصاعد التوترات، تصدرت الخلافات بين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت المشهد السياسي الإسرائيلي.
تصاعد العمليات على الحدود الشمالية
الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان والبقاع ليست حدثًا جديدًا. ولكن استهداف بلدة الصرفند، الواقعة على بعد أكثر من 30 كيلومترًا عن الحدود، يعكس تطورًا جديدًا في استراتيجيات التصعيد. شهدت بلدات مثل الهرمل وسرعين غارات متكررة خلال الأسابيع الماضية، فيما تعرضت عيترون، كفركلا، شيحين وغيرها من البلدات الجنوبية لضربات مستمرة على مدار الأشهر الماضية. ورغم ذلك، لم يتضح حتى الآن وجود رابط مباشر بين هذه الغارات وقرار الكيان الإسرائيلي بتوسيع الحرب.
عمليات حزب الله: رسائل متبادلة
بالمقابل، لم يتأخر حزب الله في الرد على هذه الغارات. فقد أعلن الحزب عن استهداف مواقع عسكرية إسرائيلية هامة شمال فلسطين المحتلة، بما في ذلك ثكنات زبدين، واللواء المدفعي 282، والمقر الاحتياطي للفيلق الشمالي. كما استهدف مواقع في الجليل الأعلى وحول بحيرة طبريا، في رسالة واضحة للكيان المحتل بأن التصعيد لن يكون من جانب واحد.
من اللافت أن هذه العمليات استهدفت مواقع تبعد أكثر من 20 كيلومترًا عن الحدود اللبنانية، وهو تطور مهم يعكس قدرة الحزب على الوصول إلى عمق الأراضي الإسرائيلية. حيث يرسل حزب الله بهذه العمليات رسائل مباشرة تفيد بأنه مستعد لتوسيع نطاق العمليات متى استدعى الأمر، وأنه قادر على الحفاظ على توازن الردع في مواجهة أي تحرك إسرائيلي.
خلفيات الخلافات السياسية في إسرائيل
في ظل هذا التصعيد، تبرز الخلافات داخل القيادة الإسرائيلية نفسها. بين نتنياهو ووزير دفاعه غالانت اختلافات كبيرة حول إدارة التصعيد شمالًا. وفقًا لتسريبات من داخل حكومة الكيان الإسرائيلية، يفضل غالانت تأجيل توسيع العمليات العسكرية ضد حزب الله لاعتبارات تتعلق بالتركيز على غزة. ويرى غالانت أن سحب الجنود من غزة لصالح العمليات في لبنان قد يعرض أمن الكيان للخطر.
بالمقابل، يعتقد نتنياهو أن التوقيت ملائم لتوسيع العمليات في الشمال، وأنه يجب استغلال الفرصة لإضعاف حزب الله وتقويض قدراته العسكرية. وقد أدى هذا الخلاف إلى تأجيل عقد جلسة الكابنيت الأمني المصغر في إسرائيل، بانتظار وصول المبعوث الأمريكي آموس هوكستين.
الضغوط الأمريكية وتحديات الداخل
تأتي زيارة هوكستين في وقت حساس للغاية بالنسبة للحكومة الإسرائيلية. يبدو أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تمارس ضغوطًا على نتنياهو لتأجيل أي تصعيد في الشمال إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية. تصاعد التوترات في المنطقة، خاصة مع حزب الله المدعوم من إيران، قد يؤدي إلى تداعيات سياسية دولية تعقد حسابات البيت الأبيض.
بالإضافة إلى ذلك، يواجه نتنياهو تحديات داخلية قوية، وخاصة من عائلات الجنود الأسرى لدى حركة حماس. هؤلاء العائلات يخشون أن يؤدي التركيز على الجبهة الشمالية إلى نسيان ملف أبنائهم، والذي يعتبرونه أولوية وطنية يجب أن تحتل صدارة الأجندة الإسرائيلية. في مؤتمر صحفي عقدته هذه العائلات أمام وزارة الدفاع في تل أبيب، طالبوا نتنياهو بالتركيز على صفقة تبادل الأسرى مع حماس بدلًا من التصعيد مع حزب الله.
حسابات نتنياهو المعقدة
نتنياهو يواجه تحديًا معقدًا. فهو يرغب في إظهار القوة أمام الرأي العام الإسرائيلي، خاصة بعد الانتقادات التي تعرض لها جراء تعامله مع الأزمة في غزة. لكن في الوقت نفسه، يخشى أن يؤدي التركيز على التصعيد مع حزب الله إلى تعميق مشاكله الداخلية. ويبدو أن نتنياهو يعتقد أن توسيع العمليات في الشمال قد يمنحه فرصة لتوحيد الرأي العام خلفه، لكنه يدرك في الوقت نفسه أن هذا التصعيد قد يعرض إسرائيل لمخاطر أكبر.
من جهة أخرى، فإن نتنياهو يواجه اتهامات من بعض السياسيين بأن محاولاته لتوسيع العمليات في الشمال هدفها صرف الأنظار عن فشله في غزة. بالإضافة إلى ذلك، هناك من يرى أن نتنياهو يسعى لتفادي صفقة تبادل الأسرى، خوفًا من أن تؤدي هذه الصفقة إلى إحراج حكومته وإضعاف موقفه السياسي الداخلي.
وأخيراً
فإنّ الوضع في الشمال يزداد تعقيدًا مع استمرار الغارات الإسرائيلية وردود حزب الله المتصاعدة. في ظل هذا التصعيد، يواجه نتنياهو تحديات كبيرة على الصعيدين السياسي والعسكري. الخلافات داخل الحكومة الإسرائيلية، والضغوط الدولية، ومطالب عائلات الأسرى، تجعل من الصعب على نتنياهو اتخاذ قرار واضح بشأن توسيع العمليات. ومع تزايد العمليات العسكرية على الحدود الشمالية، يبدو أن إسرائيل أمام مرحلة جديدة من التصعيد، قد تؤدي إلى تصاعد أكبر في الصراع مع حزب الله.
الأيام المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مسار الأحداث على الحدود الشمالية، لكن من الواضح أن نتنياهو يجد نفسه مرة أخرى في موقف حرج، ينتقل فيه من إخفاق إلى آخر.