مفاوضات غزة
تشهد القاهرة خلال الأيام المقبلة استئناف مفاوضات التهدئة بين إسرائيل وحركة حماس بوساطة مصرية وأميركية وقطرية. وهي محاولة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، والذي قد يُعتبر الخطوة الأولى نحو تهدئة طويلة الأمد. تأتي هذه المفاوضات في ظل تطورات سياسية وأمنية معقدة. حيث تتداخل فيها المصالح الإقليمية والدولية، وتجعل من عملية الوصول إلى اتفاق شامل تحديًا كبيرًا أمام جميع الأطراف.
الإطار العام للمفاوضات: موقف الأطراف الرئيسية
في هذه الجولة من مفاوضات غزة: من المنتظر أن ترتكز المباحثات على المبادئ الثلاثة للمقترح الأميركي، والذي تم الإعلان عنه في أيار الماضي. ويشمل المقترح ثلاثة مراحل أساسية: وقف إطلاق النار، انسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق المأهولة في غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية. إلى جانب هذه المراحل، سيتم التطرق إلى ملفات شائكة مثل إطلاق سراح الأسرى والرهائن.
لكن مع ذلك، تبرز نقاط خلافية حادة بين إسرائيل وحماس قد تُعقّد سير المفاوضات. فمن جهة، ترى إسرائيل على أن السلام الدائم لن يتحقق إلا بالقضاء على حماس. بينما تبقى حركة حماس رافضة أي اتفاق لا يشمل وقفًا دائمًا لإطلاق النار. وكذلك ترفض العودة إلى أوضاع ما قبل التصعيد الإسرائيلي الأخير في غزة.
موقف مصر من محور فيلادلفيا ومعبر رفح
معبر رفح ومحور فيلادلفيا يُعتبران من أبرز الملفات التي تُلقي بظلالها على المفاوضات الحالية. حيث يُنظر إلى معبر رفح باعتباره البوابة الوحيدة بين غزة والعالم الخارجي غير الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية المباشرة. تاريخيًا، ظل هذا المعبر شريان حياة لقطاع غزة، لكنه أيضًا يمثل نقطة توتر دائمة بين القاهرة وتل أبيب.
من منظور القاهرة، فإن تشغيل معبر رفح في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي لغزة يُعد أمرًا غير مقبول. حيث ترى مصر أن إدارة المعبر يجب أن تعود بالكامل إلى السلطة الفلسطينية أو إدارة فلسطينية توافق عليها القاهرة، بعيدًا عن السيطرة الإسرائيلية. كما أكدت مصر على ضرورة استعادة الوضع السابق للمعبر، الذي كان يتم تشغيله بشكل شبه طبيعي قبل بدء الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة.
أما بالنسبة لمحور فيلادلفيا (أو محور صلاح الدين كما يُعرف أيضًا)، فهو يمتد على طول الحدود بين قطاع غزة ومصر ويُعتبر نقطة خلاف رئيسية في المفاوضات. كانت إسرائيل قد انسحبت من هذا المحور عام 2005 ضمن خطة الانسحاب أحادي الجانب من غزة، لكن الوضع ظل معقدًا. حيث تستمر حماس في المطالبة بانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من هذا المحور كجزء من أي اتفاق، بينما يرفض رئيس وزراء حكومة الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذا الطلب ويصر على استمرار التواجد العسكري الإسرائيلي هناك لأسباب تتعلق بالأمن القومي الإسرائيلي.
القلق المصري من التواجد العسكري الإسرائيلي
من الجوانب التي تُقلق القاهرة هو التواجد العسكري الإسرائيلي في محور فيلادلفيا. فمصر، التي كانت قد وقعت معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979، تراقب بقلق ما تعتبره خرقًا للتفاهمات الأمنية التي جرت في أعقاب الانسحاب الإسرائيلي من غزة. بموجب هذه التفاهمات، كان من المفترض أن يكون محور فيلادلفيا خاليًا من أي وجود عسكري من كلا الجانبين، لضمان استقرار المنطقة ومنع تفجر النزاعات.
لكن التوترات الحالية حول هذا المحور تعكس تغيرًا في الموقف الإسرائيلي، حيث يسعى نتنياهو إلى تأمين المصالح الأمنية الإسرائيلية حتى لو كان ذلك على حساب التفاهمات السابقة. هذا التغيير يُثير قلق مصر، التي تخشى أن يؤدي أي تصعيد في هذا المحور إلى تداعيات سلبية على أمنها القومي وعلى استقرار المنطقة الحدودية مع غزة.
معبر رفح بين الضغوط السياسية والاعتبارات الإنسانية
من جهة أخرى، تُدرك مصر أن معبر رفح يمثل شريان حياة للغزاويين الذين يعانون من حصار خانق منذ سنوات. ورغم الضغوط الدولية لفتح المعبر بشكل دائم، ترى القاهرة أن هذه الخطوة يجب أن تكون جزءًا من اتفاق شامل يُنهي الاحتلال الإسرائيلي لغزة ويضمن حقوق الفلسطينيين. ولهذا السبب، تُصِر مصر على أن أي تشغيل لمعبر رفح يجب أن يتم في إطار ترتيبات أمنية وسياسية متفق عليها، تضمن عدم استخدام المعبر لأغراض قد تُعرّض أمن مصر للخطر.
دور الوساطة المصرية: بين الضغط الدولي والحفاظ على المصالح الوطنية
تلعب مصر دورًا محوريًا في هذه المفاوضات، نظرًا لموقعها الجغرافي وتأثيرها السياسي في القضية الفلسطينية. يُحاول الجانب المصري التوسط بين الأطراف المختلفة، مع الحفاظ على توازن دقيق بين الضغط الدولي والاعتبارات الوطنية. فالقاهرة تُدرك أن نجاح المفاوضات يعتمد إلى حد كبير على قدرتها على التوصل إلى حلول وسط تُرضي جميع الأطراف، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الحساسة مثل محور فيلادلفيا ومعبر رفح.
في النهاية، تبقى المفاوضات في القاهرة معقدة وصعبة، في ظل تداخل المصالح المختلفة للأطراف الإقليمية والدولية. وستكون الأيام المقبلة حاسمة في تحديد ما إذا كان من الممكن التوصل إلى اتفاق يُنهي التصعيد في غزة ويضع حدًا للأزمة الإنسانية المستمرة. أما بالنسبة لمصر، فهي تُواصل سعيها لتحقيق توازن بين الحفاظ على أمنها القومي ودورها كوسيط رئيسي في المنطقة، وهو ما يجعل موقفها من الملفات الحساسة مثل محور فيلادلفيا ومعبر رفح محور الاهتمام خلال هذه المفاوضات.