إنّ تاريخ لبنان مليء بالتحولات السياسية والصراعات الداخلية والخارجية التي أثرت بشكل كبير على حياة الناس في هذا البلد الصغير في الشرق الأوسط، ولقد كان من بين الأحداث التي شكلت جزءًا هامًا من تاريخ لبنان هو نشوء وتشكيل المقاومة في جنوب البلاد.
ففي عام 1982، دخلت إسرائيل عسكريًا إلى جنوب لبنان بهدف محاربة منظمة التحرير الفلسطينية وطردها من هذه المنطقة الحدودية، ولقد كانت هذه الحملة الإسرائيلية جزءًا من الصراع الدائر بين العدو الاسرائيلي والفلسطينيين والجماعات المتحالفة معهم في لبنان.
إلا أنه ومع انسحاب منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، بدأت الفراغات الأمنية في جنوب البلاد تظهر، مما أدى إلى ظهور مجموعات مقاومة مسلحة تنظر إلى نفسها كفاعل ضد الاحتلال الإسرائيلي ولحماية المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين في المنطقة.
كان من أبرز هذه المجموعات “حزب الله”، الذي تأسس في الثمانينيات كجماعة مقاومة إسلامية، والتي نمت شعبيتها وتأثيرها بسرعة في الجنوب وحظيت بدعم واسع من جماعات شيعية وفلسطينية ومن بعض القوى اللبنانية السنية والمسيحية التي شعرت بالقلق إزاء التدخل الإسرائيلي في بلدهم.
تطورت مقاومة جنوب لبنان بسرعة إلى كيان له تنظيمه وهيكليته الخاصة، وقد تبنت أساليب مقاومة متعددة منها العمليات العسكرية ضد القوات الإسرائيلية والميليشيات المتحالفة معها.
ومع مرور الوقت، أصبح لدى المقاومة في الجنوب تأثير كبير على السياسة اللبنانية والإقليمية، وامتد نطاقها إلى أبعد من مجرد صراع مباشر مع العدو الصهيوني، إذ بدأت حركة المقاومة تلعب دورًا أكبر في الحياة السياسية والاجتماعية في لبنان، وأصبحت قوة لا يمكن تجاهلها في البلاد.
من خلال نشوء وتشكيل المقاومة في جنوب البلاد، يمكننا أن نرى كيف تتشكل الحركات المقاومة في ظل الظروف السياسية والاجتماعية الصعبة، وكيف يمكن لهذه الحركات أن تصبح قوة فاعلة في المنطقة تؤثر على النطاق الإقليمي والدولي.
ولا بد لنا من أن نشير إلى أهمية المقاومة في جنوب لبنان على الصعيد العربي من عدة جوانب تتعلق بالصراعات الإقليمية والدينية والسياسية التي تشهدها المنطقة. وهنا نذكر بعض النقاط التي تبرز أهمية المقاومة في جنوب لبنان على الصعيد العربي:
- الصراع مع إسرائيل: يعتبر لبنان واحدة من الجبهات الرئيسية للصراع مع إسرائيل في الشرق الأوسط، ومنطقة جنوب لبنان بشكل خاص كانت محوراً للصراع، حيث تواجه المقاومة التحديات الأمنية والعسكرية البالغة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
- دور المقاومة في تمثيل الصوت العربي: يعتبر حزب الله وغيره من الجماعات المقاومة في جنوب لبنان تمثيلًا للصوت العربي ضد الهيمنة الإسرائيلية والتدخلات الغربية في المنطقة، حيث يرى الكثيرون أن هذه المقاومة تمثل رمزاً للمقاومة العربية ضد الظلم والاحتلال.
- دور المقاومة في مكافحة التطرف: بالإضافة إلى مقاومة إسرائيل، تلعب المقاومة في جنوب لبنان دوراً مهماً في مكافحة التطرف والإرهاب في المنطقة، ويعتبر الكثيرون أن نجاح المقاومة في حماية السكان المحليين وصون استقلالية لبنان يساهم في تعزيز الاستقرار في المنطقة بشكل عام.
- التأثير على السياسة الإقليمية: تمتلك المقاومة في جنوب لبنان نفوذاً سياسياً كبيراً في لبنان والمنطقة العربية، حيث يتعاون حزب الله وغيره من الجماعات المقاومة مع الدول والجماعات الأخرى في المنطقة لدعم مصالحها وتحقيق أهدافها السياسية.
- تأثيرها على حياة الفلسطينيين: تلعب المقاومة في جنوب لبنان دوراً هاماً في دعم وحماية الشعب الفلسطيني في لبنان، وتقديم الدعم اللوجستي والعسكري للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية.
بهذه الطرق وغيرها، تمثل المقاومة في جنوب لبنان عنصراً أساسياً على الصعيد السياسي والأمني في الشرق الأوسط، وتلعب دوراً حيوياً في تحديد مستقبل المنطقة وتحقيق العدالة والسلام.