نقطة تحول في التاريخ الحديث
تُعَدّ حرب غزّة الحالية واحدة من أكثر الصراعات تعقيداً في المنطقة. منذ بداية العملية العسكرية في 7 أكتوبر، كانت الأهداف المعلنة من قِبل الحكومة الإسرائيلية واضحة: القضاء على التهديدات التي تشكلها الفصائل المسلحة في القطاع، واستعادة الأسرى الإسرائيليين. لكن مع مرور الوقت، بدأت الأمور تتعقد، وظهرت تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الحرب قد وصلت إلى نقطة تحوّل حاسمة.
تغير المزاج العام في إسرائيل
في البداية، حصلت الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو على دعم واسع من الجمهور ومراكز القوى السياسية والاقتصادية المختلفة. كان هناك إجماع على ضرورة التصدي للفصائل الفلسطينية المسلحة بأي ثمن. ولكن مع مرور الوقت، بدأت تبرز علامات الاستياء من الأداء العسكري، خاصة بعد فشل الجيش في استعادة الأسرى الستة الذين كانوا محتجزين في منطقة رفح.
أصبح واضحاً أن أفق الحرب لم يعد مفتوحاً كما كان عليه في الشهور الأولى. مع تصاعد الضغوط الداخلية، قد يجد نتنياهو نفسه في مواجهة خيارات صعبة. إذ يبدو أن الجمهور الإسرائيلي بدأ يفقد صبره، خاصة مع عدم تحقيق الإنجازات الملموسة التي كانت متوقعة. هنا يبرز السؤال: هل سيستمر نتنياهو في الاعتماد على القوة العسكرية لاستعادة شعبيته، أم سيضطر لتقديم تنازلات؟
الضغط الداخلي والخارجي
منذ بداية العملية، كان هم نتنياهو الرئيسي هو استعادة شعبيته المتراجعة. ولكن إذا استمر في تجاهل الضغوط الداخلية، قد يجد نفسه في موقف لا يحسد عليه. الضغوط الداخلية تختلف تماماً عن الضغوط الخارجية، لأن لها تأثيراً مباشراً على مستقبل القيادة السياسية في إسرائيل.
إذا استمر الوضع على ما هو عليه، قد يضطر نتنياهو للاختيار بين الرضوخ لضغوط الرأي العام ومراكز القوى الإسرائيلية أو المخاطرة بمواجهة تبعات قد تُنهي عهده الطويل في الحكم. هذه التبعات قد تتراوح بين فقدان الدعم السياسي وصولاً إلى انهيار حكومته.
الحرب التالية: إسرائيل وإيران
من ناحية أخرى، من المتوقع أن يتحول التركيز نحو التحدي الأكبر، وهو إيران. فالحرب مع إيران لن تكون مجرد صراع بين دولتين… بل ستكون مواجهة بين إسرائيل والغرب من جهة، وإيران من جهة أخرى. إن التصعيد الحالي في المنطقة يشير إلى أن إسرائيل تستعد لمواجهة أكبر مع إيران، في ظل استعدادات عسكرية غير مسبوقة.
الأساطيل البحرية الإسرائيلية تترقب لحظة المواجهة، والإشارة التي تُرسل إلى طهران واضحة: أي تصعيد من قِبل إيران سيكون له ثمن باهظ. هذه التحضيرات العسكرية تشير إلى أن إسرائيل مستعدة للدخول في مواجهة مباشرة مع إيران، وهي مواجهة قد تكون الأكبر منذ حرب 1973.
الاستجابة الإيرانية
لم تفلح الجهود الدبلوماسية والعسكرية التي قامت بها روسيا في تهدئة الأوضاع. فقد أرسلت روسيا تعزيزات عسكرية إلى إيران للتصدي لأي هجمات جوية محتملة، ولكن هذه الخطوات لم تكن كافية لتغيير مسار الأحداث. على العكس، قد تؤدي هذه التطورات إلى دفع إيران نحو تعزيز قدراتها العسكرية بدلاً من التراجع.
إيران، بدورها، أعلنت عن اتفاق عسكري كبير مع روسيا، وهو ما يُشير إلى أنها تتجهز للصراع المقبل. هذه التطورات تعكس رؤية القيادة الإيرانية بأن الصراع مع إسرائيل قد يكون لا مفر منه، وبالتالي، يجب الاستعداد لمواجهته.
خاتمة
في ضوء هذه التطورات، يبدو أن المنطقة تقف على عتبة تحول كبير. سواءً استمرت حرب غزّة أم انتهت، فإن تداعياتها ستؤثر على المستقبل السياسي لنتنياهو، وعلى توازن القوى في المنطقة بشكل عام. الحرب المقبلة، إذا اندلعت بين إسرائيل وإيران، ستكون لها تبعات بعيدة المدى، وقد تغير معالم الشرق الأوسط كما نعرفها اليوم. السؤال الذي يطرح نفسه: هل نحن أمام نقطة تحوّل حقيقية في هذه الصراعات، أم أن الأمور ستستمر على ما هي عليه؟