في السابع من فبراير الماضي، اغتالت واشنطن قائد كتائب حزب الله العراقي، أبو باقر السعدي، على خلفية مشاركة فصائل المقاومة العراقية في صدّ العدوان الإسرائيلي على غزة. أرادت واشنطن التي تقود الحرب على قطاع غزة إيصال رسالة تهديد لكن الاغتيال الآثم أدى -بدلًا من ذلك- إلى الضغط على الحكومة العراقية للتحرك مجددًا لإنهاء الإحتلال العسكري الأمريكي للعراق.
ورغم تواصل التهديدات وأساليب التخويف التي تنتهجها الولايات المتحدة لردع المقاومة العراقية، فقد صعدت هذه الفصائل عملياتها البطولية ليست فقط مدفوعةً بالتزامها أمام الشعب الفلسطيني فحسب، بل إيماناً منها بواجب إفشال المخطط الإسرائيلي الهادف إلى تقسيم المنطقة والسيطرة عليها وتحقيق حلم “إسرائيل الكبرى”.
منذ السابع من أكتوبر، وانطلاقاً من التزامات عقائدية وأخلاقية، تحملت أربعة فصائل من المقاومة العراقية العبء الأعظم في نصرة غزة وهي: كتائب حزب الله – حركة النجباء – كتائب سيد الشهداء، وأنصار الله الأوفياء. وتتنوع هذه العمليات بين ضربات صاروخية على القواعد الأمريكية في العراق إلى هجمات بالمُسيّرات ضد الاحتلال الأمريكي في سوريا، كذلك استهداف أهداف صهيونية استراتيجية في الأراضي الفلسطينية المحتلة مثل أشدود وحيفا ومرتفعات الجولان المحتلة.
وسرعان ما وصلت تهديدات وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن ومدير وكالة المخابرات المركزية، وليام بيرنز، بأن بغداد ستواجه “عواقب وخيمة” إذا لم يتم اتخاذ إجراءات لوقف الهجمات.
يذكر بأنّ الاحتلال الأمريكي نشر، منذ العام 2021، ما يقرب من 2500 جندي في العراق كجزء مما يسمى “التحالف الدولي لمحاربة داعش”، مما أدى إلى توسيع احتلالهم. ورغم تأكيد بغداد أن هذا الحضور يقتصر على كونه استشاري فقط، فقد انخرطت هذه القوات في مهام إرهابية متعددة ضد حركات المقاومة.
تكشف المصادر أنَّ التهديدات تنطلي على سحب شركات النفط الأمريكية من العراق وفرض التدخل العسكري المباشر في حال عجز الحكومة عن وقف عمليات المقاومة ضد القواعد العسكرية الأمريكية في البلاد. كما تمارس الولايات المتحدة تمارس ضغوطاً من خلال التلاعب بتدفق الدولارات إلى البنك المركزي العراقي، ما يهدد بحدوث أزمة اقتصادية حادة.
فقد أعلنت المقاومة العراقية أنها بواسطة طائرة مسيرة، استهدفت -يوم الجمعة الماضي / ١ مارس ٢٠٢٤- خزانات المواد الكيماوية في مدينة حيفا المحتلة الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وذلك ردّاً على ارتكاب المجازر بحق النساء والأطفال والشيوخ في قطاع غزة، لافتةً إلى أنها ستواصل استهداف مواقع الاحتلال الإسرائيلي.
في 8 ديسمبر الماضي، تعرّضت السفارة الأمريكية في بغداد لهجوم بالصواريخ، ومطلع الشهر الماضي (فبراير)، قامت المقاومة العراقية باستهداف مدينة أم الرشاش المحتلة (إيلات) الواقعة على ساحل البحر الأحمر. وتُعتبَر أهمية أم الرشراش الإستراتيجية في أنّها بديلاً محتملاً لحركة شحن البضائع بين آسيا وأوروبا. كما استهدفت المقاومة العراقية ميناء أسدود بطائرات مسيرة.
تصاعد هذا الإسناد البطولي أحرج الحكومة العراقية التي وجدت نفسها عالقة بين حرج التواطؤ في العدوان والتحدي المتمثل في الحفاظ على سيطرتها على الشؤون الأمنية خاصةً في أعقاب مقتل 3 جنود أمريكيين وإصابة أكثر من 40 آخرين على الحدود الأردنية السورية، وما تلاه من اغتيال لقائد كتائب حزب الله أبو باقر السعدي. الشهيد قاد فصيلًا تابعًا للحشد الشعبي التابع -رسميّاً- للقوات المسلحة العراقية.
وقتئذٍ، دعت نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لزيارة واشنطن. ثم التقى السوداني السفيرة الأمريكية في العراق إيلينا رومانسكي لتنسيق جدول أعمال الزيارة.
في هذه الغضون، يمضي برلمانيون عراقيون قدماً في تشريع قانون إخراج القوات الأجنبية من العراق، لكن موقف الفصائل السّنية لا يزال غامضاً، فضلاً عن غموض موقف الأحزاب الكردية -وأبرزها الحزب الديمقراطي الكردستاني- التي تعارض بشدّة أي دراسة للانسحاب العسكري الأمريكي من العراق.
بدورها، وزارة الخارجية الروسية أعربت عن استعداد موسكو لدعم القوات العراقية بعد رحيل القوات الأجنبية غير المرغوب فيها حيث صرّح المبعوث الخاص للرئيس الروسى للتسوية السورية ألكسندر لافرينتيف بأن المسألة الأهم “تتعلق بالوقت، الذي سيستغرقه هذا الانسحاب وطريقة سحب العسكريين الأمريكيين. يمكن أن يتم ذلك خلال شهر أو شهرين، كما حدث في أفغانستان، أو يمكن أن يمتد لسنوات. ويمكن أن يتم بطريقة يجري فيها سحب الوحدات العسكرية ونشر بدلاً عنها قوات أمنية من شركات خاصة. وفعليّاً سيبقى هناك تواجد عسكري أجنبي”.
هذا العرض الروسي فاقم الضغوط على واشنطن ودفعها إلى إعادة تقييم حضورها غرب آسيا. ويشير المراقبون إلى أن هذا التطور -متزامناً مع الضغط الذي تمارسه المقاومة- قد عزز الموقف العراقي الرسمي بوجه الولايات المتحدة ليس فقط إسناداً لفلسطين، بل حمايةً لسيادة العراق برمته.