لقد تطور الموقف المصري منذ بداية الحرب في غزة حتى اليوم، حيث إننا نرى تبايناً في هذا الموقف بين حينٍ وآخر، فمنذ بداية الحرب في غزة قامت مصر بالإعلان عن إجرائها لاتصالات مكثفة مع الجانبين لوقف إطلاق النار، ثم منعت خروج الأجانب من قطاع غزة عبر معبر رفح، في مقابلة رفض الكيان الصهيوني إدخال المساعدات إلى غزة، وكل هذا مع تأكيد مصر أن الأولوية لأمنها وأمانها وأن سيادتها ليست بمستباحة.
فقد أصدرت مصر أول بيان لها في السابع من تشرين الأول بعد ساعات من بدء طوفان الأقصى، ولقد حذرت فيه من المخاطر الوخيمة لتصاعد العنف، كما أنها دعت المجتمع الدولي للعمل حثيثاً والتدخل من أجل الوصول إلى هدنة ووقف إطلاق النار.
ثم أخذ الموقف المصري يأخذ منحى جدي وأكثر حدة محاولاً التأثير بشكل أكبر للوصول إلى وقف إطلاق النار، وذلك بعد أن قام أحد المتحدثين باسم جيش الكيان المحتل بدعوة سكان غزة من المدنيين إلى التوجه إلى مصر في حال أرادوا تجنب الضربات الجوية الصهيونية، وهذا ما نفاه متحدث آخر وكذلك سفير الكيان المحتل في مصر، وهنا خرج الرئيس المصري ليؤكد أن بلاده لن تسمح بتصفية القضية الفلسطينية، ولن تتهاون كذلك في حماية أمنها القومي.
ثم بدأت قوافل المساعدات تتكدس في مدينة العريش بشمال سيناء المتاخمة لمعبر رفح، بانتظار دخولها إلى غزة، لكن القصف الصهيوني المتكرر على الجانب الفلسطيني من المعبر، حال دون عبورها، وهنا قالت مصادر مصرية رفيعة، إن القاهرة اشترطت تسهيل وصول المساعدات بأمان لقطاع غزة، مقابل السماح بعبور حاملي الجنسيات الأجنبية عبر رفح.
ومع احتمالية حصول نزوح جماعي محتمل إلى سيناء، سنرى موقفاً مصرياً أكثر حدة مع مرور أيام الحرب، ولا سميا وأن ذلك قد يهدد الأمن القومي المصري.
ولا بد لنا من الإشارة إلى أن طول الشريط الحدودي بين قطاع غزة ومصر يصل إلى 12 كيلومترا، مع بوابة رئيسية واحدة، وهي معبر رفح البري، والذي يدخل منه آلاف الفلسطينيين شهريا للعلاج أو الدراسة.
فما يحاول الكيان المحتل القيام به الآن، هو خلق منطقة في شمالي قطاع غزة وعلى الحدود معها، خالية من الوجود الفلسطيني، حتى يدخلها الجيش الصهيوني، ثم يقرر الكيان المحتل بعد ذلك، كيف ستُدار هذه المنطقة، فهل ستكون تحت إدارة الحكومة الصهيونية؟ أم ستخضع للسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس؟ أم ستتركز فيها قوة دولية؟ وهذا السؤال يبحث عن إجابته الكيان المحتل مع كل الأطراف حاليا.
ولذلك يقوم جيش الكيان المحتل بدفع الفلسطينيين إلى جنوبي القطاع، مشكلين بذلك ضغطاً على مصر التي اعتبرت وغيرها من دول الجوار بأن ذلك ليس إلا تصديراً للأزمة لدول الجوار.
ومن المؤكد وفق ما صدر عن الإدارة المصرية أنها لن توافق على أي خطة توطينية للفلسطينيين في سيناء، ولا سيما وأن مصر لا تملك مخيمات أو معسكرات أو مناطق بإمكانها أن تستوعب تلك الأعداد الكبيرة المحتملة، وبالتالي على مصر أن تركز في إدخال المساعدات إلى غزة.
وإذا خمنا بما ستقوم به مصر من خطوات لن نرى إلا استمرارها في الضغط على الكيان المحتل لدخول المساعدات إلى غزة، والذي سيوافق عاجلاً أم آجلاً ولا سيما وأن مطالبات الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا للكيان المحتل مستمر لإخراج مواطنيهم عبر معبر رفح المصري، وقد حددت مصر مطار العريش، نقطة تمركز للمساعدات القادمة من خارج البلاد، واستقبل المطار بالفعل شحنات مساعدات قادمة من تركيا والأردن ومنظمة الصحة العالمية وغيرها، بانتظار إدخالها إلى غزة. ولكن ومع كل هذا فهل كان هذا هو المطلوب من مصر وهي حاضنة الدول العربية؟!!!