شهدت مدينة رفح الفلسطينية تصعيدًا عسكريًا كبيرًا من قبل قوات الكيان الصهيوني، حيث تكثفت عمليات القصف المدفعي والغارات الجوية، وتقدمت وحدات جيش الاحتلال على عدة محاور في وسط وشرق المدينة، وهذه العمليات جاءت متزامنة مع أوامر إخلاء لسكان غرب رفح إلى ما أسماه الجيش “مناطق آمنة”.
لقد توسعت أنشطة الكيان الصهيونية في رفح بشكل ملحوظ، مع تقدم واضح على طول محور فيلادلفيا، وهو المنطقة العازلة بين مصر وقطاع غزة، والتي تم تحديدها بناءً على اتفاقية كامب ديفيد للسلام بين البلدين.
ما هو محور فيلادلفيا؟
محور فيلادلفيا، والمعروف أيضًا بمحور صلاح الدين، هو شريط حدودي عازل يمتد على طول 14 كيلومترًا بين قطاع غزة ومصر، من البحر المتوسط شمالاً حتى معبر كرم أبو سالم جنوبًا… هذا المحور يعتبر منطقة أمنية خاضعة لاتفاقية ثنائية مصرية إسرائيلية، ولقد نشأت هذه المنطقة العازلة عقب معاهدة كامب ديفيد للسلام الموقعة بين مصر وإسرائيل عام 1979، والتي نصت على إنشاء منطقة عازلة داخل الأراضي الفلسطينية على طول الحدود مع مصر، تخضع لسيطرة إسرائيلية مع تواجد قوة عسكرية محدودة العدد والمعدات.
وبموجب هذه الاتفاقية، مُنع تواجد أي قوات مسلحة مصرية على الأراضي المصرية المتاخمة، وسُمح فقط للشرطة المدنية المصرية بأداء مهامها بأسلحة خفيفة، واستمر الوضع على هذا النحو حتى انسحاب الكيان المحتل من قطاع غزة في صيف 2005، وتسليم المحور للسلطة الفلسطينية، ومع استلام حماس للسلطة في غزة، سيطرت على المحور ومعبر رفح، مما أدى إلى انسحاب مراقبي الاتحاد الأوروبي.
التوترات المصرية الإسرائيلية بسبب المحور
العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح أثارت توترًا كبيرًا في العلاقات مع مصر، حيث أعرب عدد من المسؤولين المصريين عن قلقهم من تداعيات سيطرة الكيان المحتل على رفح ومعبرها وعلى المنطقة العازلة، وقد عبرت القاهرة عن مخاوفها من استغلال الكيان المحتل للوضع الراهن في غزة لتنفيذ خطط لتهجير سكان القطاع إلى مصر، مشيرة إلى إرسال تعزيزات أمنية تشمل آليات وجنودًا إلى الحدود مع غزة كإجراء احترازي.
لكن، حتى مع تصاعد التوتر، لم يصل الأمر إلى حد الاشتباك المباشر، إلا أننا نرى أن الكيان المحتل يسعى لفرض واقع جديد في المنطقة على مصر، وهو ما يعد مخالفًا لاتفاقية السلام، ورغم التحديات التي قد تواجهها القاهرة بسبب هذا الواقع الجديد، فإن مصر لم ولن تتوقف عن التشاور مع الدول والأطراف المعنية، ولم ولن تلجأ لتعليق اتفاقية السلام، وربما يكون أقصى تعبير عن غضبها هو تخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني.
الدوافع الإسرائيلية للسيطرة على المحور
يسعى الكيان المحتل للسيطرة على محور فيلادلفيا لعدة أسباب استراتيجية وأمنية: فأولًا، يعتبر المحور نقطة حيوية لمنع تهريب الأسلحة والمواد العسكرية إلى قطاع غزة.
وثانيًا، إن السيطرة على المحور تمنح الكيان المحتل قدرة أكبر على مراقبة الحدود ومنع تسلل العناصر المسلحة.
وثالثًا، يعزز التواجد الإسرائيلي في المنطقة قدرتها على فرض شروط أمنية وسياسية على الأرض، بما يتماشى مع مصالحها.
وبالإضافة إلى ذلك، يرى الكيان المحتل أن السيطرة على المحور يمكن أن تكون وسيلة للضغط على حماس وإضعاف قدرتها على الحكم في غزة، من خلال تقليل الدعم اللوجستي والعسكري الذي تحصل عليه، وإن هذا السياق الأمني والسياسي يفسر إلى حد كبير سبب استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية على الرغم من التحذيرات الدولية والاحتجاجات المصرية.
الموقف المصري: بين الالتزام بالاتفاقيات والحقوق السيادية
على الرغم من احترام مصر لالتزاماتها الدولية ومعاهداتها مع الكيان الغاصب، فإنها تشدد على حقها في استخدام كل السيناريوهات المتاحة للحفاظ على أمنها القومي وحقوق الشعب الفلسطيني، حيث نقلت “قناة القاهرة” عن مصدر مصري رفيع نفيه لوجود أي نوع من التنسيق مع الكيان المحتل بشأن العمليات العسكرية في رفح.
ويتضح من هذا التصريح الرسمي أن مصر ترى في تحركات الكيان الصهيوني تهديدًا لأمنها القومي واستقرار المنطقة، ولكن وفي الوقت نفسه، تُظهر مصر حرصها على التعامل مع الوضع بحذر، بما يتماشى مع التزاماتها الدولية، مع السعي لتجنب التصعيد العسكري المباشر الذي قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة على الاستقرار الإقليمي.
خاتمة
محور فيلادلفيا يظل نقطة ساخنة في الصراع الصهيوني الفلسطيني والعلاقات المصرية الإسرائيلية، وإن السيطرة الإسرائيلية على هذا المحور تثير قلقًا كبيرًا في القاهرة، والتي ترى في هذه التحركات تهديدًا لأمنها القومي ومحاولة لفرض واقع جديد يتعارض مع اتفاقيات السلام، وفي المقابل، يواصل الكيان الاسرائيلي تنفيذ استراتيجيته الأمنية في غزة، معتمدة على الدعم العسكري والسياسي لتحقيق أهدافها.
ومن الواضح أن الحلول الدبلوماسية والتشاور المستمر بين الأطراف المعنية لن تكون العامل الأساسي في تهدئة التوترات ومنع التصعيد، إلا إذا تم السعي على الحفاظ على حقوق الشعب العربي في فلسطين وضمان أمنه واستقراره في المنطقة.