في الذكرى الثامنة لاعتقال التعسفي لزعيم المعارضة البحرينية، تتأكّد الحاجة إلى أن يكون الشيخ علي سلمان واقفًا جنبًّا بجنب إلى جوار آية الله الشيخ عيسى قاسم، لتطبيق رؤيتهما الاستثنائية والاستراتيجية لبحرين متعافيةٍ من الفساد وآمنة من الصهاينة وحرّة من كل أشكال الوصاية. بلا شك، لو كان حرًّا، كان الشيخ علي سلمان القائد الوطني الأكثر تأثيرًا في لجم عملية التطبيع المشينة مع عدو الأمة ومحتل فلسطين ومدير حرب الإبادة الجماعية المروعة في غزة.
سُئِل سماحته ذات مرّة: كيف ترى السجن؟ بدا مطمئنًّا جدًّا وهو يجيب: “لديّ همٌ واحدٌ فقط؛ هو أنّني لا أستطيع تقديم خدمة للناس وأنا قيْد الاعتقال”. فلو كان حرًّا، لم قرّت له عين دون نصرة فلسطين وشعبها المظلوم. كيف لا وكلّ تاريخه النضاليّ المشرف كان نصرةً لهذه الأرض المظلومة، بل كان سيوفّر قصار جهده لإسقاط ومواجهة مشروع التطبيع المخزي.
فعلى رغم ظروف سجنه القاسية، لا يزال القائد الشعبوي الأبرز للمعارضة البحرينية يستجدي سبل تخليص شعب البحرين من الاستبداد والتبعية، ولعل أصعب أشكاله اليوم هو تدخل الصهاينة في مفاصل الدولة البحرينية وشؤونها. هذا الموقف منسجم تمامًا مع سياق رسالته في العام الماضي، إذ أكد أنه لا يزال يحمِل على كاهله هموم البحرينيين وقضاياهم، ويُقلقه تحوُّل البلاد إلى “موطن من مواطن الصهيونية العالمية”.
في الرسالة ذاتها العام الفائت، في الذكرى السابعة لاعتقاله التعسفي، أعرب الشيخ علي سلمان، عن قلقه من تغوّل الفساد في كلّ مرافق الدولة حيث أغرِقت البحرين في الدَيْن العام والعجز الاقتصادي المستديم. إن أكثر ما يؤرّق القائد البحريني الشجاع هو إهدار كرامة الناس والنظر إليهم باعتبارهم “رعايا لا كمواطنين”، يَستبدُّ بهم الحاكم، ويُحوّلهم إلى مُستخدَمين لأفراد عائلته، وخدّامًا لمشروع التطبيع.
بعد اعتقال الشيخ سلمان في العام 2014، تدهورت حال البحرين إلى الأسوأ؛ تحوّل الأرخبيل الصغير إلى سجنٍ كبيرٍ يستحوذ الصهاينة فيه على مفاتيح الحلّ والربط، وتهديد أمن المنطقة، بل والدفاع عن السفن الصهيونية. فبعد وفاة رئيس الوزراء السابق (عم الملك الحالي)، خليفة بن سلمان، في العام 2020، جرى تقسيم البحرين بين أبناء الملك “المعظّم – كما أسمى نفسه بمرسوم ملكي” تقسيمًا إقطاعيًّا تمامًا كالذي أَسقطته “ثورة البحارنة” خلال انتفاضة العام 1922. أبرز أبناء الملك، سلمان (وليّ العهد) يُدير نصف اقتصاد البحرين وخيراتها ومقدراتها الإقتصاديّة؛ أما أخوه (غير الشقيق)، ناصر، فيستولي على قطاع النفط والغاز. أما خلال العام الحالي، فقد كشف -علنًا- بأن البلاد تُدار من قِبَل مستشارين صهاينة.
توضح خطابات الشيخ علي سلمان عن الفساد وهدر المال العام سبب غضب العائلة الحاكمة وسعيها الحثيث للتخلّص منه، ومن وجوده السياسي الواعي والهادف. كان اعتقاله ضرورة تمليها مرحلة فرض التطبيع. الاتفاقات التجارية، التي هرولت المنامة لتوقيعها مع تل أبيب قد فشلت فشلًا ذريعًا في محو آثار الفساد والاستيلاء على الأموال العامّة، بل عمّقت الأزمات وكاثرتها. فالتعاون الثنائي الذي انشغل وزير الصناعة البحريني السابق، زايد الزياني، بالحديث عن انعكاساته العظيمة، لم تتعدَّ قيمته الفعلية 7.5 مليون دولار عام 2021 وهذا رقم لا يعوّل عليه اقتصاديًّا.
كما ترافق إزاحة الشيخ علي سلمان -العمدي والمدروس- في غياهب سجن سيء الصيت مع سائر قيادات المعارضة البحرينية مع حزمة من الخطوات الخانقة، وأبرزها: تقسيم البحرين إقطاعيًّا؛ وأد المعارضة السياسية؛ هندسة مجلس نيابي صوري؛ إفقار المواطنين؛ نهب مكتسبات المتقاعدين؛ تهميش ممنهج؛ تجنيس سياسي؛ ضرائب؛ غلاء صارخ؛ رفْع الدَيْن العام لحدودٍ قياسية لا تنسجم ومداخيل أيّ دولة نفطية في العالم (تنتج البحرين 200 ألف برميل يوميًّا)؛ ناهيك عن استبدال الهوية السياسية والدينية للبحرين.
عند جنوحه نحو المعاهدة المشؤومة مع الإسرائيليين، صُوّر للملك “المعظّم” أن معاهدة أبراهام ستشق له باب التفوّق الأمني على الشعب ليخرق بذلك كلّ منزلٍ بحريني آمن عبر تقنيات التجسّس الصهيونيّة المتقدمة، حتى يُمسِك برقابهم ويُهدّدهم ويقمعهم. لكنّ ذلك لم يجلب له إلّا مزيدًا من نقمة الشعب وغضبه والتفافه حول مطلبِ طرد السفير الصهيوني وإلغاء التطبيع. شعب -بمختلف انتمائته اليساريّة والإسلاميّة- كاره لسياساته الخائنة لكرامة الأمة وقضيتها المركزية، فلسطين.
الآن، بعد مضي ٨ سنوات عجاف على البحرين، يتعين -أخلاقيًّا وإنسانيًّا وقانونيًّا- على حكومة قطر أن تتدخل لإنصاف مظلومية الشيخ علي سلمان من خلال إظهار قضيته وإسقاط تُهم التخابر المفبركة التي أُلصِقَت -جزافًا وكيديًّا- بحقّه. أما القوى الداعمة والحليفة للعائلة الحاكمة لا سيما واشنطن ولندن، فيتعين عليهم أن يقفوا -ولو لمرّةٍ واحدةٍ- مع مطالب الشعب البحريني وسعيه الدائم لرفْع الوصاية عنه.
فيما يخص العائلة الحاكمة، فيتوجب عليها النزول عن شجرة الكبرياء والعنجهيّة، وأن توقف مشاريع: التطبيع مع الصهاينة؛ تشويه الهوية الوطنية والقومية للبحرين؛ استهداف المرجعيّات الدينية الداعمة لفلسطين، لأن مستقبل الأمة هو النصر والمذلة للمحتل الإمبريالي.
في حمأة الحرب الوحشية على غزة وجنوب لبنان، نستذكر ذكرى اعتقال الشيخ علي سلمان، التي رغم كلّ التجاهل والطمس التي واجهتْها لعقدٍ من الزمن، لا تزال حاضرةً بقوة، هي ذكرى رجل رفض فكره السياسي تحول بلاده إلى شرطيّ لكيان الاحتلال في شبه الجزيرة العربية، فكان بحقّ “ناصر فلسطين”.