على مدار تاريخ الصراع العربي ـ الصهيوني، وخاصةً بعد خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت في 1982، وتشتّتها، شهدت القضية مخاضاتٍ عسيرة وقاتلة في آن، لا سيما بعد جنوح منظمة التحرير نحو دَرْك التنازلات، وهذا ليس بجديد في حال المنظمة التي تعد جهازًا تحاصصيًّا أكثر منه نضاليًّا مقاومًا.
ففي أيلول / سبتمبر من العام 1993، استغلت المنظمة حالة الضعف هذه لتبرّر خطواتها في الاعتراف بكيان الاحتلال وحلّ الدولتين والتخلّي عن الكفاح المسلّح وترويج مقولات تضليلية بأن هذا الاتفاق (أوسلو) سيشكل بوابة “المُصالحة التاريخية” مع كيان الاحتلال وسينتج دولة فلسطينية عاصمتها القدس”الشرقية”.
واشنطن والاتحاد الاوروبي وصندوق النقد الدولي شجعوا على الخطوة (اتفاق أوسلو). بدوره، النظام الرسمي العربي تلقى هذا التنازل عن 78% من أرض فلسطين التاريخية بصمتٍ مخزٍّ لم يكن غريبًا.
أكثر من عقدين ونصف العقد على توقيع الاتفاق والسلطة عاجزة عن أن تؤمّن بيتًا فلسطينيًّا واحدًا في الخليل ورام الله والقدس. مُراهنات أسفرت عن مزيدٍ من الخيانات لم تكن آخرها اتفاقيات “آبراهام” وأسفرت كذلك عن تعاظم الثقة بخيار المقاومة في الضفة الغربية المحتلة وغزَّة.
التاريخ نفسه، الثالث عشر من أيلول/ سبتمبر، يصادف ذكرى “مجزرة جسر المطار”، والتي حصلت في منطقة الغبيري اللبنانيّة على يد اللاهثين وراء التطبيع بعد دقائق على انطلاق مسيرة منددة باتفاق أسلو. كانت تصفية ٩ شهداء قرارًا سياسيًّا بامتياز إذ كان المحتجون كلهم مدنيون خرجوا ليهتفوا ضد “اتفاقية أوسلو”. وقتها كان الجنوب المقاوم أيضًا محتلًا. كانت أرضهم تحترق أمام أعينهم وهم يدفعون الأثمان.
في ذكرى “أوسلو”، يبدو المشهد في الضفة الغربية المحتلّة مغايرًا تمامًا إذ تتواصل حالة الاشتباك فقد نجحت المقاومة في اختراق الجدار الذي تشكَّل بفعل التنسيق بين الاحتلال وأجهزة أمن السلطة الفلسطينية.
كما نجحت في تكاملها مع قطاع غزة الأمر الذي سيؤدّي حُكمًا -ولو بعد حين- إلى تعاظم وحدة الساحات ضدّ الاحتلال. كذلك فهناك توقّعات بأن ينعكس التقارب السعودي الإيراني إيجابيًّا على القضية خاصةً في ضوء هيمنة اليمين المتطرّف على مقاليد السلطة في الكيان المؤقت.