مفردة التطبيع في أصل الاستخدام اللغوي تعني الامتلاء الكامل، ومنه قولهم: طبّع الإناءُ أي امتلأ بلا إمكانية للزيادة عليه من شدة امتلائه. ومن المَجاز عند العرب قولهم: تطَبَّعَ بطِباعِه أي تخَلَّقَ بأخلاقِه.
إن أخجر ما توجهه أجيالنا اليوم بلا شك هو التطبيع الأكاديمي، والذي يحاول كيان الاحتلال المؤقت عبره اختراق عقول الشباب لطمس كل ما له صلة بالقضية الفلسطينية، ومحو مفاهيم المواجهة من ذاكرتهم.
نلاحظ أن العدو تارةً يبرم اتفاقيات ثقافية وطورًا علميّة، ويسعى إلى تبادل الخبرات وتوفير منح دراسية من أجل خلق قاعدة تطبيعية بحيث يصبح وجوده اللاشرعي مسألةً مسلمًا بها في أوساط الشباب.
مع ذلك، ستظل القضية الفلسطينية حاضرة وحيّة في ضمير وقلب كل حر مؤمن بأبسط القيم الإنسانيّة علمًا بأن الجامعات قدمت على مدار سنوات الصراع خيرة طلابها شهداء ومعتقلين وجرحى، وذلك في شتى المجالات الفكرية والعلمية وغيرها.
نشأ هؤلاء الجامعيون -رغم اختلاف التيارات والفصائل السياسية اليسارية أو الإسلامية التي ينتمون إليها- مشبعين بروح الانتماء واعين بالمخططات الإمبريالية التي تسعى جاهدة لصدّ كل توجه وحدوي ونهضوي من خلال إشعال الفتن وخرق وحدة الصف الإسلامي والعربي.
ومن هذه المساعي الخبيثة دعوة الطلبة والأساتذة لزيارة الأراضي المحتلة بحجج: تبادل الأبحاث والخبرات؛ إلقاء محاضرات؛ تنظيم أبحاث مشتركة؛ ناهيك عن إغرائهم بالحوافز المالية بهدف استقطاب مرتزقة وغسل أدمغتهم ليعودوا ملحقات مشبعين بالفكر الصهيوني وخدامًا لجيشه المجرم.
يخيل لدى مروجو التطبيع أنه من السهل غرس حقائق مشوهة ومبتورة وطمس الثوابت التاريخية والدينية والحضارية، التي ظلت لعقود متتالية قاعدة للثقافة الإسلامية والقومية العربية، لا بل تعد جزءً لا يتجزأ من عقيدتهم ووجدانهم. فالتطبيع الأكاديمي معناه التبري من كل ما يحويه المخزون الثقافي، لا سيما ذلك الذي يصنف الصهاينة أعداءً، وضخ المفاهيم والتصورات المشوهة بشأن مظلوميّة الشعب الفلسطيني.
في المقلب الآخر، من المؤسف حجم الانصياع والانخداع لدى بعض “المثقفين” العرب الذين من المفترض أنهم شاهدوا بأم عينهم عنصرية الصهاينة واستفزازهم المتواصل وشراستهم متجاهلين بأن صراعنا مع هذا الكيان اللقيط إنما هو صراع وجودي وبأن المقاومة واجب شرعي وإنساني وأكاديمي عبر تفعيل اللوبيات الطلابيّة وتنظيم الأنشطة الصفية الداعمة للقضية الفلسطينية وبثّ الوعي السياسي في الأوساط الشبابية.