حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي أعلنها كيان الاحتلال الإسرائيلي المجرم وتدميره المُمَنهج لكل مقومات الحياة في قطاع غزة خلقت وضعاً إنسانياً كارثياً في هذا القطاع المحاصر منذ سنوات عديدة، وأزمة فاقت في عمقها وفداحتها كل الأزمات التي مرّت على قطاع غزة خلال الحروب السابقة، كما أنها تعد أسوأ كارثة إنسانية في العالم، وهي جريمة حرب وفق كل المعايير والمقاييس، وكل هذا يحدث على مرأى ومسمع العالم أجمع، وتواطؤ العالم الغربي الذي يدّعي التحضر والمدنية ويتشدق بحقوق الإنسان والقانون الدولي صباح مساء.
يواجه قطاع غزة -الذي يسكنه ما يقرب من مليوني شخص- وضعاً إنسانياً كارثياً معقداً يتمثل في الإجهاز على كل البنى التحتية والقطاعات الخدمية، حيث تعرضت المباني السكنية والمدارس والمرافق الحيوية مثل شبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء للدمار وتم تصفية القطاع الصحي والزراعي وإنهاء مقومات الحياة مما ترك العديد من السكان دون إمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية والحاجات الضرورية، وهذا ما أدى إلى نزوح مئات الآلاف وخلق حاجة ماسة للمأوى ما أدى الى تفاقم وتعقيد المشهد الإنساني الكارثي المعقد أصلًا.
في ظل هذه الأزمة الإنسانية الكبيرة، يتعرض مئات الآلاف لخطر المجاعة جراء النقص الفادح في المواد الغذائية والانقطاع في مياه الشرب، حيث أصبحت إمدادات الغذاء والماء معدومة عملياً وما يدخل من مساعدات عبر معبر رفح يومياً لا يغطي إلا 7% من الحد الأدنى اليومي لحاجات السكان. كما أنّ مخازن القمح في غزة تعرضت لأضرار كبيرة جراء القصف الإسرائيلي الوحشي، وهذا يصعب أكثر فأكثر الحصول على الخبز، وهو غذاء أساسي للسكان.
وقد بينت دراسة للمرصد الاورومتوسطي لحقوق الانسان أنّ 98% من سكان قطاع غزة يعانون من عدم كفاية استهلاك الغذاء وأنّ %71 منهم يعانون من مستويات حادة من الجوع. ويضطر 64% من سكان غزة لتناول الحشائش والثمار والطعام غير الناضج والمواد منتهية الصلاحية لسد جوعهم.
ولا تقتصر معاناة سكان غزة على غياب الغذاء، حيث تستخدم إسرائيل المياه كسلاح حرب ضد الفلسطينيين وتمنع دخول المياه النظيفة والوقود إلى غزة من أجل تفعيل شبكة إمدادات المياه ومرافق تحلية المياه، وهذا انتهاك صارخ للقانون الدولي ويعرّض سكان غزة لخطر الموت من العطش وانتشار الأمراض الناجمة عن نقص مياه الشرب الآمنة، وكانت قد أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في وقت سابق أنّ 70% من سكان غزة يشربون المياه المالحة والقذرة.
الأزمة الإنسانية تنسحب أيضاً على انتشار الأوبئة والأمراض ولا سيما بين صفوف النازحين في ظل نقص في الأدوية والمستلزمات الطبية واستهداف الاحتلال الإسرائيلي للمنظومة الصحية في قطاع غزة، وقد بلغت حصيلة الشهداء من جراء الأمراض في غزة أضعاف حصيلة الشهداء الذين ارتقوا أثر القصف الوحشي على قطاع غزة، كما أنّ مئات الآلاف من الجرحى والحوامل والأطفال والمرضى المصابين بأمراض مزمنة شمالي قطاع غزة يبقون بلا خدمات صحية.
وفي الختام، فإنّ الأزمة الإنسانية في غزة تؤكد الحاجة الملحة إلى إيجاد حل شامل ودائم يضمن الحقوق الكاملة للشعب الفلسطيني. إنّ التأثير على المدنيين سواء من حيث الإصابات المباشرة أو العواقب طويلة المدة على الصحة العقلية والرفاهية يسلط الضوء على التكلفة البشرية لهذا الصراع، ويجب على المجتمع الدولي أن يضاعف جهوده لتلبية الاحتياجات الفورية لضحايا هذه الحرب الظالمة.