من المؤكد بعد كل تلك الأحداث التي جرت في الآونة الأخيرة على مسرح منطقة الشرق الأوسط وكان لاعبوها أغلب القوى العالمية المؤثرة في الأوضاع السياسية والاقتصادية والعسكرية على مستوى العالم فلا بد أن يعلم الجميع ويقر بأن المقاومة بكافة أشكالها وصورها باتت أمراً واقعاً في الأدبيات السياسية وعنصراً هاماً ولاعباً أساسياً في فرض النظام العالمي الجديد.
هذا المحور المقاوم الذي نشأ في إيران عقب انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة الامام الخميني حاملاً الطابع الإسلامي بإيديولوجيته الموجهة ضد النفوذ الامبريالي المتمثل بالولايات المتحدة الأمريكية ضمن الأراضي الإيرانية خاصة والمنطقة بشكل عام والجدير بالذكر أن ما يثير الاستغراب هو إخفاقات الولايات المتحدة الأمريكية المتكررة بالرغم من أنها تمثل قوة عظمى عالمية سياسياً وعسكرياً واقتصادياً أمام هذا المحور الذي فرض نفسه خلال وقت قصير نسبياً إذا ما قورن بغيره من دول كان لها شأنها عبر التاريخ الحديث وأصبح يتبع سياسته الذاتية تجاه أمريكا واسرائيل في المنطقة.
ففي البداية ومنذ نشأته كان هذا المحور موجهاً ضد الولايات المتحدة الأمريكية ونفوذها في الداخل الإيراني على يد عملائها المتمثلين بنظام الشاه في إيران ولكن وبعد انتصار الثورة التي قادها الامام الخميني بات لهذه المقاومة شكلاً مختلفاً وإيديولوجيا مختلفة أيضاً فلم تتوقف هذه الحركة بعد سقوط الشاه بل استمرت ضد النفوذ الأمريكي خارج إيران ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط الذي باتت إيران فيه قوة لا يمكن إغفالها في هذه المنطقة واستمرت في نضالها ضد الامبريالية والصهيونية ولعل من أهم خصائصها أنها ولأول مرة في التاريخ الحديث تأخذ المقاومة التي خرجت من رحم الشعب الإيراني الثائر في وجه الشاه الطابع الإسلامي. فسابقاً كان لحركات المقاومة أشكالاً مختلفة كالماركسية والشيوعية، أما كهوية إسلامية كانت هذه المقاومة أول حركة في التاريخ المعاصر تحمل هذا الطابع.
إن هذه المقاومة أصبحت موجودة وحققت انتصارات وصارت أمراً واقعاً وقامت بالثورة التي بنت فيما بعد الجمهورية الإسلامية الإيرانية ووقفت بوجه الاستكبار الأمريكي فلم يعد بوسع أي أحد أن ينكر وجودها أو يتعامل معها على أنها حركة ثورية بسيطة يمكن السيطرة عليها وبات الجميع يتعاملون معها على أساس ما قدمته وقامت به وأنجزته ولا سيما الجمهورية التي أسستها بعد الانتصار.
إن المقاومة أصبحت جزءاً مهما من الخارطة السياسية العالمية التي أثارت الكثير من التساؤلات حول ماهيتها وتركيبها فمنذ انتصار الثورة في إيران على يد المقاومة التي ولدت من الشعب الإيراني كان السؤال الذي يصدح بشكل دائم أنه كيف تحقق هذا النصر وما دور القيادة الدينية وما هو دور العقيدة وكيف تم إسقاط النظام الشاهي بالرغم من محاربة الولايات المتحدة الأمريكية له ولماذا أخفقت أمريكا استخباراتياً في توقع نشوء هذه المقاومة في الداخل الإيراني وكيف امتد نفوذ هذه المقاومة إلى خارج إيران ليدعم حركات المقاومة في المنطقة كما في لبنان وفلسطين وكيف أصبحت إيران هي الداعم الأكبر لجميع المستضعفين في العالم وما هو تأثير الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مواجهة الاحتلال الصهيوني لفلسطين.
وعلى هذا فإن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيين قامت بممارسة أقسى أنواع الضغوط والحصار على إيران لتحجيم دورها في دعم حركات المقاومة في منطقة الشرق الأوسط وثني عزمها عن مواجهة الهيمنة الأمريكية على المنطقة ولكن كل هذه الضغوط لم تحقق لأمريكا وحلفائها النتائج التي كانوا يرجونها، فكل هذه الضغوط لم تعط أي نتيجة باعتراف الأمريكيين أنفسهم الذين أخذوا يبحثون عن مبررات تعيدهم للاتفاق النووي مع حفظ ماء الوجه، فاستمرار إيران بدعم حركات المقاومة سواء في اليمن أو لبنان أو العراق وفلسطين وحتى دعمها لسوريا في حربها على الإرهاب رغم كل الحصار الاقتصادي والعقوبات المفروضة عليها أكد للولايات المتحدة الأمريكية أنها فشلت في مساعيها لإضعاف هذا المحور الثابت والصامد في وجه الهيمنة الإمبريالية.
أما فيما يتعلق بالكيان الصهيوني فإن المقاومة أثبتت وبشكل واضح أنها صاحبة القول الفصل في فلسطين ولبنان فقد عملت المقاومة على إفقاد اسرائيل ثقتها بنفسها وسلبتها قدرتها على امتلاك زمام المبادرة وأنها هي التي تملك خيوط الحرب متى تشاء ووضعت الكيان الصهيوني في مأزق تاريخي كبير فهو يعلم أن المقاومة تشكل تهديداً كبيراً على وجوده في المنطقة من جهة ومن جهة أخرى يدرك تماماً أن محور المقاومة بات أمراً مفروضاً لا يستطيع إبعاده أو التخلص منه فهو من جهة غارق في مستنقع الحرب في غزة لم يستطع الخروج منه حتى الآن ولو فكر بالهروب شمالاً بافتعال حرب في لبنان فهو لا يضمن النتائج بل يخشى من الرد الذي يدرك تماماً أنه سيكون ساحقاً وصاعقاً من قبل المقاومة في لبنان لما تملكه من سلاح دقيق وقدرات قتالية وصاروخية عالية لذلك يعمد إلى تأجيل أي نوع من أنواع المواجهة ويلعب على وتر الوقت، الأمر الذي يفسح المجال للمقاومة في تعزيز قدراتها وزيادة قوتها على حساب ضعفه ووهنه والذي بات واضحاً من خلال الأزمات التي يعانيها الداخل الاسرائيلي سواء كانت اقتصادية أو سياسية.