حرب إبادة جماعية تكتب فصلًا جديدًا في تاريخ الوحشية
تشهد غزة في الوقت الحالي فصلًا مأساوياً من الصراع الدامي الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، حيث يتم تنفيذ حرب إبادة جماعية بأساليب وأبعاد لم يسبق لها مثيل في تاريخ الصراعات، فقوات الاحتلال الإسرائيلي تواصل استخدام أقصى درجات العنف والقوة العسكرية ضد السكان المدنيين في غزة، مما يحول المنطقة إلى مسرح لجرائم حرب وانتهاكات حقوق الإنسان بشكل يومي.
منذ اندلاع العدوان الأخير، تجاوز عدد الشهداء الفلسطينيين في غزة 38 ألف شهيد، بما في ذلك نسبة كبيرة من الأطفال والنساء، والذين يشكلون حوالي 75% من الضحايا… بالإضافة إلى ذلك، بلغ عدد الجرحى أكثر من 80 ألف جريح، بينهم العديد ممن يعانون من إصابات خطيرة ودائمة، كما تعرضت عائلات بأكملها للإبادة عند قصف منازلهم على رؤوس ساكنيها، مما أدى إلى تدمير أكثر من 80٪ من أحياء غزة ومساكنها.
وكذلك فإن نسبة النزوح داخل غزة تعكس حجم الكارثة الإنسانية؛ حيث نزح 9 من كل عشرة أشخاص من منازلهم أكثر من مرة، في ظل ظروف معيشية كارثية وانعدام للأمن والأمان… ورغم كل هذه المآسي، يقف المجتمع الدولي عاجزاً ومتجاهلاً، مما يفضح زيف حرياته وديمقراطياته المزعومة، التي لم تتعدَ كونها شعارات فارغة أمام هذا الاختبار الإنساني الفاضح.
إنّ الاحتلال الإسرائيلي لا ينتهك فقط الأعراف الدولية، بل يتجاوز كل القيم الإنسانية بشكل ممنهج، وذلك من خلال استهداف المدنيين وتدمير البنية التحتية الأساسية، حيث يسعى الاحتلال إلى كسر إرادة الشعب الفلسطيني وفرض واقع جديد من الهيمنة والسيطرة، إلا أن هذا النهج لا يجلب سوى المزيد من العزلة والإدانة على الساحة الدولية، ويكشف عن مدى ضعف الحجج التي يرتكز عليها هذا الكيان المؤقت وغير الشرعي.
إن ما يجري في غزة ليس فقط جريمة إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني، بل هو أيضًا محاولة اغتيال يومي للحقيقة، حيث إن الاحتلال يستخدم وسائل الإعلام والدعاية لتشويه الحقائق وقلب الروايات، محاولًا تبرير أفعاله البربرية. ومع ذلك، تظل الحقيقة واضحة وضوح الشمس: فما يحدث في غزة هو عمل وحشي غير مسبوق في العصر الحديث.
ورغم كل هذه التحديات والمآسي، يبقى الأمل موجوداً، إذ إن روح المقاومة التي يبثها محور المقاومة في جبهاته المتعددة تعطي دفعة قوية للحق وتؤكد أن زوال الاحتلال بات قريبًا، كما إن الوعي الجماعي المتنامي بالظلم الواقع على الشعب الفلسطيني، والجهود المستمرة لنقل معاناتهم إلى العالم، يشكلان قوة دافعة نحو تحقيق العدالة ونهاية الاحتلال.
إن الجريمة المستمرة في قطاع غزة وباقي الأراضي الفلسطينية ليست جديدة في تاريخ الصراع، لكنها تكشف بشكل صارخ عن العوار في النظام الدولي الحالي… هذا النظام الذي يفشل مرارًا وتكرارًا في حماية حقوق الإنسان وفرض القانون الدولي على الجميع بدون تمييز، وإن المجتمع الدولي مطالب الآن أكثر من أي وقت مضى باتخاذ مواقف جريئة وصارمة ضد هذا الاحتلال، والعمل بشكل فعال على إنهاء هذا الفصل المظلم من تاريخ البشرية، والذي كان آخرها المجزرة في خان يونس، تلك الجريمة الإنسانية التي تتحدى كل الأعراف والقوانين الدولية، فلقدشهدت مدينة خان يونس في قطاع غزة مؤخرًا مجزرة دموية مروعة نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، تاركة ورائها مشهدًا مروعًا من الدماء والدمار، ضاربة عرض الحائط بكل المعاني الإنسانية والقوانين الدولية… هذه المجزرة ليست الأولى من نوعها، لكنها تظل شاهدة جديدة على الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني بشكل يومي.
لا يمكن للكيان الإسرائيلي أن يستمر في هذه الوحشية إلى الأبد ولا يمكن أن تستمر حرب الإبادة الجماعية التي يمارسها بكل غطرسة، فالتاريخ يعلمنا أن الاحتلال والظلم لا يمكن أن يدوم طويلاً، وأن الشعوب المظلومة ستنتصر في النهاية، وإن الأمل معقود على جهود المقاومة الفلسطينية والشعوب الحرة في العالم، التي ترفض القبول بالظلم وتصر على تحقيق العدالة والسلام.
وإن المستقبل القريب يحمل في طياته بوادر التغيير والتحرر، إذ إن زوال الاحتلال ليس مجرد حلم، بل هو واقع يقترب يومًا بعد يوم بفضل صمود الشعب الفلسطيني وإصراره على حقوقه، ولا يمكن للكيان المؤقت أن يستمر في ظل هذه الظروف المتغيرة، وسيظل الشعب الفلسطيني مثالًا للصمود والمقاومة حتى نيل حريته واستقلاله.
في النهاية، لابد أن نتذكر أن القضية الفلسطينية هي قضية عادلة، وأن العدالة ستتحقق في النهاية، وإن الاحتلال الذي يغتال الحقيقة وينتهك الأعراف والقيم الإنسانية يحفر بنفسه قبر غطرسته، وستبقى ذكرى الشهداء والمقاومين نبراساً ينير الطريق نحو الحرية والكرامة… فليكن هذا المقال دعوة للتضامن والعمل من أجل إنهاء الاحتلال وتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة.