بقلم الدكتور حسن حسن
لم يعد خافياً على أحد تواطؤ الحكومات الغربية و على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية مع الكيان الإسرائيلي وغضهمٍ الطرف عن جرائمهِ التي يرتكبها كل يوم ونصرتهم و دعمهم له بالمال والسلاح و إغماض أعينهم عن انتهاكه لكل العهود والمواثيق الدولية التي وضعوها بأنفسهم أو شاركوا في وضعها و تبينهم سياسة الكيل بمكيالين واعتمادهم معاييراً مزدوجة فيما يخص قضية فلسطين، قضية العرب والمسلمين الأولى و قضية الأحراروالشرفاء الذين يؤمنون بالعدالة والحرية والعيش الكريم لكل شعوب العالم. و من أجل الوصول إلى مآربهم و تحقيق مشاريعهم سخروا كل إمكاناتهم الاقتصادية و العسكرية والسياسية و الإعلامية خدمة وحفاظاً على هذا الكيان الغارق في الأزمات والمشرف على الانهيار.
في العقود الأخيرة أوكل الغرب الاستعماري الساعي لاستمرار هيمنته على العالم لآلته الدعائية الإعلامية مهام التضليل والتزييف والتزوير و قلب الحقائق و الحرب الإيديولوجية مستخدماً إياها كسلاحٍ فتاك و وسيلةٍ ناجعة لتضليل الشعوب بنشره الأكاذيب و بث السموم وتشويه الحقائق حاشداً لذلك جيشاً من الأبواق المستأجرة و الإعلاميين الذين باعوا ضمائرهم ومهنيتهم مقابل حفنة من المال.
كل ذلك حدث و يحدث بدعم و تخطيط من اللوبيات الصهيونية التي سيطرت على مراكز صنع القرار في العواصم الغربية وامتلكت وسائل الإعلام بكل أشكالها المقروءة و المسموعة وجعلت من الولايات المتحدة مركز إدارة و توجيه ومن بقية دول الغرب تابعاً مخلصاً، و هذه التبعية المطلقة والعمياء للولايات المتحدة جلية في السلوك الإعلامي لدول الغرب هذه حيث يتم في الولايات المتحدة الأمريكية تحديد الخط الإعلامي و التوجه السياسي والنهج الواجب اتباعه، وفي مطابخ إعلامها تصنع و تحاك المادة الإعلامية وتصاغ المعلومات الكاذبة المضلّلة وتحضر التحليلات السياسية والعسكرية الزائفة و توزعها على تابعيها من الدول الغربية ليبدأ إعلام هذه الدول بتقديم الطبخة الإعلامية الأمريكية للشعوب بدون أدنى تدقيق أو تحقيق أو دراسة أو تحفظ أو مهنية.
يتضح مما سبق أن الإعلام الغربي هو مرآة لسياسة حكومات تلك الدول و لساناً ناطقاً لها.
فلو أجرينا – على سبيل المثال لا الحصر – مقارنة بين كيفية تعاطي الإعلام الغربي مع الحرب الروسية الأوكرانية وبين تعاطيه مع الحرب الإسرائيلية الفلسطينية لرأينا مستوى الانحطاط والترهل وعدم المهنية وغياب الضمير وانتفاء الموضوعية و ازدواجية المعايير. فعندما بدأت ملحمة طوفان الأقصى شرعت شاشات التلفزة الغربية بعرض صور المستوطنين المقتولين على مدار الساعة وغصت نشرات أخبارهم بالمعلومات الكاذبة المضلّلة محاولة لكسب الرأي العام واستدراراً لعطف الشعوب، وامتلأت طاولات الحوار في برامجهم بجحافل الإعلاميين والسياسيين والمفكرين اليهود الصهاينة الذين راحوا يذرفون الدموع على القتلى الإسرائيلين مستحضرين مآسي اليهود الصهاينة المزعومة في الحرب العالمية الثانية و الظلم الذي لحق بهم و تصدير أنفسهم على أنهم الضحية كعادتهم مشبهين المقاومة الفلسطينية بداعش تارة و بهتلر تارة ًأخرى، واصفين مايجري الآن في فلسطين بأنه محاولة لإبادة الشعب اليهودي، أو أن مايجري هو حرب دينية أو أنه معاداة للسامية….الخ.
لكن هؤلاء أغمضوا أعينهم عن الضحايا الفلسطينين الذين سقطوا جراء آلة القتل الإسرائيلية وعن جرائم الحرب و الجرائم بحق الإنسانية و جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي بحق الأطفال والنساء و الشيوخ منذ زرع هذا الكيان الغاشم في أرض فلسطين إلى يومنا هذا. كما أنهم لم يعيروا اهتماماً و لم يرف لهم جفن لحرمانِ الفلسطينين بشكلٍ عام، وغزة بشكل خاص من كل مقومات الحياة فلا ماء و لا دواء و لاغذاء على أن هذا يعد انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان و جريمة حرب وفقاً للمواثيق و القوانين الدولية.
و إذا ماخرج صوت يصدح بالحق ويصف الحقيقة رافضاً مندداً بالجرائم الإسرائيلية و مطالباً بالحرية و العدالة لشعب فلسطين و فك الحصار عنه يُتهَم بالتطرف الإسلامي أو بالدعم للإرهاب أو بالتحريض على العنف أو بمعاداة السامية.
أما مقاربة هذا الإعلام الغربي للحرب الروسية الأوكرانية مختلفة تماماً حيث نلاحظ الآتي:
- عندما يتم قصف بنى تحتية مدنية في أوكرانيا من قبل روسيا يبدأ عويلهم وتعلو أصواتهم مطالبين بأن لاتبقى هذه الأعمال دون عقوبة، لكن قصف البنى التحتية الفلسطينية يدخل في إطار حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
- عندما يحرم الأوكرانيون من الماء والدواء والغذاء، يعتبرون ذلك جريمة حرب و يطالبون بإنزال أشد العقوبات بحق روسيا و لكن عندما يحرم الفلسطينيون من كل مقومات الحياة فهو في إطار محاربة حماس التي يصفونها بالإرهابية.
- على طاولات الحوار في برامجهم وعندما يجري الحديث عن الحرب الإسرائيلية الفلسطينية لايوجد ضيف واحد فلسطيني أو مناصر لفلسطين لا بل كل الضيوف من المناصرين لإسرائيل من اليهود الصهاينة.
- أما في الحالة الروسية الأوكرانية فكل الضيوف من اليهود الأوكران و لايوجد ضيف روسي واحد أو مناصر لروسيا.
- بالنسبة لهذا الإعلام الغربي، كل القتلى الأوكرانيين من المدنيين أما في فلسطين كلهم من حماس.
و غير هذا كثير مما لايتسع ذكره في هذه العجالة يثبت بما لايدع مجالا للشك زيف هذا الغرب المتصهين و كيله بمكيالين ويؤكد سلوكه العنصري البغيض و انتهاكه كل الأعراف الإنسانية بدعمه الجرائم المروعة للكيان الإسرائيلي. ولكن مهما ألبسوا الحقّ ثوب الباطل و الباطل ثوب الحقّ فلن يصبح الحقّ باطلاً ولا الباطل حقّاً.